لمكافحة البطالة في درعا.. السلاح، "بسطة"


منذ الصباح الباكر من كل يوم، بما فيها يوم الجمعة، يسارع الثلاثيني "ضياء العمر" إلى نقل بعض الآنية البلاستيكية المليئة بالبنزين والمازوت، وبعض اسطوانات الغاز، لعرضها على "بسطته" التي ما زال يعتاش من مردودها.

ويقول الرجل الذي يمضي عامه السادس في عمله كبائع محروقات على بسطة: "أسارع الخطى للوصول إلى مكاني الذي اعتدته في سوق البلدة المركزي، خوفاً من أن يسبقني أحد إليه، لأني اشعر أن رزقي في هذا المكان وليس في مكان غيره".

وأضاف: "مثلي كمثل باقي بائعي البسطات هنا كلنا على (باب الله)، نجهز بسطاتنا منذ الصباح الباكر، وننتظر رزقنا".

وتنتشر في ذات المكان، كما في معظم شوارع مدن وقرى وبلدات درعا، عشرات البسطات في الشوارع، بالقرب من المحال التجارية، حيث يفترش الباعة الأرض، عارضين بضائعهم البسيطة والمتنوعة، فهذا يعرض المحروقات وآخر يعرض الخضار والفواكه، وثالث يعرض الدخان، ورابع يعرض الخبز، فيما يعرض آخرون الملابس الشعبية، والحلويات الجافة، وغيرها الكثير من البضائع والكل ينتظر رزقه.

ويقول "فارس"، 29 عاماً، وهو جامعي وبائع بسطة دخان، "نحن مضطرون لممارسة أي عمل يدر علينا أي دخل مهما كان بسيطاً، وذلك لحفظ ماء الوجه، لأنه من الصعب على الرجل أن يجلس بلا عمل، خاصة في هذه الظروف الصعبة، التي يعاني منها الجميع نتيجة عدم توفر فرص عمل ومحدودية الخيارات المتاحة".

ولفت إلى أن البطالة منتشرة بين شباب المحافظة بشكل كبير، وهي في تزايد مستمر. وقال: "نحن كشباب وأسر نكافح البطالة بأضعف الأسلحة المتاحة والممكنة".

وأضاف قائلاً: "كنت أعمل سابقاً في إحدى المنظمات الإغاثية العاملة في الجنوب، وأتقاضى راتباً شهرياً يبلغ نحو 200 دولار، لكن بعد سيطرة النظام على المحافظة، فقدت عملي مثلي مثل العشرات غيري وأنا الآن ألتقط رزقي من بيع الدخان على هذه البسطة المتواضعة".

فيما أكد "أبو ربيع"، 45 عاماً، وهو مدرس سابق، أنه يكسب رزقه من بيع الألبسة الشعبية على بسطة صغيرة، لافتاً إلى أن أحد أصحاب المحال التجارية، سمح له باستخدام جداره لعرض بضاعته.

وقال: "الحمد لله مستورة، أرباحي صحيح قليلة، لكنها تسد احتياجات أسرتي الضرورية وتمنعني من طلب المساعدة من الآخرين"، مشيراً إلى أن أرباحه اليومية تقدر ما بين 1500 و2000 ليرة حسب المبيعات.

وبيّن أنه كان يعمل مدرساً في مديرية تربية المحافظة، لكنه فصل من عمله قبل ثلاثة أعوام؛ نتيجة تقارير "كيدية كاذبة"، فقد على أثرها مصدر رزقه الوحيد.

وأوضح أنه بعد حصوله على بطاقة التسوية في العام الماضي، راجع مكان عمله؛ من أجل تصفية حقوقه التقاعدية، سيما وأن لديه خدمة تقارب الـ 24 عاماً، لكن كان الجواب مع "عدم الموافقة" لأسباب أمنية، ما زال يجهلها، حسب وصفه.

من جهته أشار خريج كلية الاقتصاد "عبد السلام محمد" إلى أن البسطات تعتبر واحدة من الأنشطة الاقتصادية المدرة للدخل، وهي سلاح يتمسك به ذوي الإمكانيات المادية المتواضعة لمحاربة الفقر.

ولفت إلى أن عمل البسطات في القرى والبلدات والمدن الصغيرة، لا يحتاج إلى تكاليف عالية، ولا إلى بدل خدمات أو أجور، فمكانه الشارع، ورأسماله بسيط جداً، يبدأ عادةً بأقل من 50 ألف ليرة سورية.

وأشار إلى أن أرباح البسطة أيضاً تكون متواضعة، تزيد وتنقص حسب النشاط العام للأسواق، موضحاً أنه يتم اللجوء إلى البسطات كخيار بديل عندما تفقد فرص العمل الحقيقية.

وأضاف أن من يمارس هذا النشاط الاقتصادي في العادة هم كبار السن، وبعض ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن في الحالة السورية، أصبحت أيضاً ملاذاً لشريحة واسعة من الشباب الباحثين عن فرص عمل، حيث باتت البسطات تنتشر بأعداد كبيرة في شوارع جميع المحافظات بعد أن كانت في السابق أعدادها محدودة.

وقال: "البسطات موجودة في معظم دول العالم، الغنية والفقيرة، إلا أنها في الدول المتحضرة أكثر تنظيماً، ولها أماكن محددة توضع فيها"، موضحاً أن القوانين السورية تمنع هذا النوع من الأنشطة الاقتصادية؛ بحجة أنها تشوه المنظر الحضاري العام، وتضر باقتصاد البلد، لكنها باتت أمراً واقعاً يفرض نفسه بقوة، لانعدام الخيارات وتضاؤل فرص العمل أمام الشباب.

وأشار إلى أن أصحاب البسطات في مناطق سيطرة النظام، يتعرضون إلى المطاردات، والملاحقات، من قبل ما يطلق عليهم "شرطة البلديات". لكنهم في المناطق المحررة، والمناطق العائدة مؤخراً إلى سلطة النظام، مازالوا بعيدين عن هذه الملاحقات.

يشار إلى أنه ورغم امتعاض بعض أصحاب المحال التجارية، من وجود أصحاب البسطات بالجوار، كونهم يبيعون بأسعار منافسة، تكون بالعادة أقل من أسعار المحلات، إلا أنهم يلقون تعاطفاً من قبل بعض التجار، "لأن الحال من بعضه"، كما قال أحد التجار، و"الرزق على الله".


ترك تعليق

التعليق