قطاف "الشفَلَّح".. مصدر رزق للعائلات النازحة والفقيرة في ريف حلب


تعدّ نبتة القَبَّار المعروفة أيضاً بـ"الشفَلَّح" مصدراً لكسب الرزق بالنسبة لكثير من العائلات الفقيرة والنازحة في أنحاء متفرقة من الشمال السوري المحرر، وذلك بالرغم من مخاطر وصعوبة قطفها؛ بسبب أشواكها القاسية التي تدمي أصابع اليدين، وأغصانها المتشابكة التي تشكل ملاذاً مفضلاً للأفاعي في فصل الصيف الحار.

مهمة شاقة ومردود قليل

"أم رامي" وهي أرملة في (45) من عمرها، أُجبرت على النزوح مع أطفالها الثلاثة من ريف "حماة" الشمالي إلى منطقة "الباب"، شرقي "حلب"، تجد في قطاف الشفَلَّح" حلاً مؤقتاً يعينها على شراء بعض الضروريات للعائلة، ولا سيما بعد أن فقدت زوجها في قصف طيران النظام لبلدتهم.

وفي حديث لها مع "اقتصاد"، قالت "أم رامي" إن العشرات من العائلات النازحة والفقيرة في مختلف أنحاء ريف "حلب" المحرر، أصبحوا ينتظرون حلول شهر حزيران/ يونيو من كل عام، ليبدأوا العمل بِقطاف نبتة الشفَلَّح" الشوكية، بهدف تأمين قوت يومهم من خلال بيعها إلى تجار وخبراء الأعشاب الطبية الشعبية في المنطقة.

وأضافت: "أخرج مع ساعات الصباح الأولى إلى الأراضي الزراعية الواقعة في محيط المدينة من أجل البحث عن شجيرات (الشفَلَّح) الشائكة، وقطاف أزرارها قبل أن تزهر، حيث أجمع في كل يوم حوالي1،5 كيلو غرام، أقوم بتنظيفها من الأشواك المحيطة بها، ومن ثمّ أبيعها للعطار بسعر 800 ليرة سورية، للكيلو الواحد، ومن ثمنها أقوم بشراء الخبز وقليل من أصناف الخضار لإطعام أولادي".

وأردفت "تواجهنا معاناة كبيرة أثناء قطاف الأزرار الصغيرة من (الشفَلَّح) لأنها تحوي الكثير من الأشواك، ناهيك عن زيادة عدد العاملين في هذه المهنة عمّا كان عليه الحال في العاميين الماضيين، لذلك لا بدّ من الإبكار ما أمكن في الذهاب إلى القطاف وقضاء وقت طويل أيضاً في جمع أكبر كمية ممكنة من هذه النبتة".

واستطردت "أم رامي" بالقول "يبقى التعب والمشقة المرافقان لعملية قطاف (الشفَلَّح)، بالإضافة إلى المردود القليل أفضل بكثير من الوقوف والانتظار على أبواب المنظمات أو طلب المساعدة من الناس".

من جانب آخر يحرص "راضي الشيخ" (51 عاماً) وهو خبير أعشاب شعبي من أبناء منطقة "جرابلس"، في كل عام على جمع وشراء أكبر قَدَرٍ ممكن من نبتة "الشفَلَّح" من قاطفيه في مدن وبلدات "درع الفرات" المجاورة لمنطقته، مقابل سعر يتراوح بين 700 إلى 800 ليرة سورية للكيلو الواحد، ومن ثمّ يقوم ببيعها مجدداً إلى تجار آخرين بعد وضع مربحٍ عليها يتراوح بين 200 إلى 300 ليرة سورية عن كل كيلو غرام، تبعاً لجودتها والمسافة اللازمة للحصول عليها.

ونوّه "الشيخ" إلى أن معظم الإنتاج يستعمل محلياً وأكثر استهلاكه يكون لأطباء الأعشاب والعطارين، فيما يصدر قسم منه إلى تركيا بسبب عدم وجود معامل للاستفادة منه داخل سوريا.

فوائد طبية

وعن استخدامات نبتة "الشفَلَّح" أوضح الصيدلاني "عبد الله عثمان" لـ"اقتصاد" قائلاً "تستخدم نبتة (الشفَلَّح) على نطاق واسع في معالجة حالات طبية مختلفة، وتتنوع الفائدة الطبية بحسب كل جزء من النبتة؛ فالثمار تفيد في علاج التهابات الأذن وأمراض السمع، وفي علاج أمراض الإسهال وطرد ديدان وغازات البطن والأمعاء، إضافة إلى فائدتها في علاج اضطرابات الجهاز الهضمي، وتنشيط عمل الكبد وتنظيف الكلى، وتحسين الدورة الدموية وحالات فقر الدم لغناها بمادة الحديد".

وأضاف: "تستخدم جذور النبتة في علاج آلام النقرص والروماتيزم وآلام الظهر والرقبة، عن طريق تقطيعها وطحنها بشكلٍ جيد وخلطها مع الطحين، ثمّ تترك العجينة في مكان رطب لمدّة ساعتين، وبعدها توضع لنحو 40 دقيقة على مكان الألم".

ووفق "عثمان" فإن العسل البري المستخرج من أزهار "الشفَلَّح" يعتبر من أفضل أنواع العسل وأكثرها فائدة، فضلاً عن دخول هذه النبتة في صناعة العديد من مواد التجميل، واعتبارها كأحد أنواع مقبلات الطعام والتوابل التي تستخدم في تتبيل اللحوم، حيث يتم تخزينها لفترة ضمن الماء والملح، ثمّ تستحضر منها السلطات إلى جانب الزيتون ونباتات أخرى، أو يمكن أن تستخدم كصنف من المخللات.

و"الشفَلَّح" شجيرة شوكية برية خضراء اللون يصل طولها إلى ما يقارب 50 (سم)، ولها أزهار بيضاء مغطاة بالأشواك القاسية، وفي داخلها بذور صغيرة مشابهة لحبات الحمُص وهي ذات مذاق حلو، ويستمر موسم قطافها في الشمال المحرر طوال أشهر الصيف، وتنتشر هذه النبتة في المناطق الجبلية والوعرة والمهجورة.

ترك تعليق

التعليق