رحلة البحث المستحيلة عن بيت للإيجار في إدلب


لا يكاد يلتقط أنفاسه من البحث والتحري عن بيت ليستأجره ويقطن فيه مع عائلته، فهو من مكتب عقاري إلى آخر، ويُرد عليه في معظم الأحيان بعبارة "لا يوجد بيت فارغ وكله ممتلئ".

"أبو المعتصم"، مُهجّر من مدينة حمص مع عائلته المكونه من زوجته وطفلين. منذ شهرين وإلى هذه اللحظة يبحث عن بيت للإيجار في مدينة إدلب، بعدما طلب منه صاحب البيت الذي يقطن فيه إخلاء المنزل خلال مهلة محددة، بداعي البيع. و"أبو المعتصم" منذ تاريخ إنذار الإخلاء إلى هذا الوقت، وهو يبحث عن بيت، ولكنه لم يجد واحداً.

يروي الأخير قصته لـ"اقتصاد" عن رحلته المتعبة في البحث عن بيت للإيجار، الذي أصبح حلماً في هذه الأيام، بعد أن ضاقت به السبل. واعتبر أن نشر قصته فيها بعض الأمل، فربما بعض من يقرأون التقرير يساعدونه في العثور على بيت، على حد وصفه.

وفي بداية قصته، أبدى "أبو المعتصم" استياء كبيراً مما يحصل معه في رحلته التي وصفها بالمستحيلة للبحث عن بيت ليسكن فيه. وقال وهو يبتسم: "لو أني أبحث عن قصر للسكن لكان أسهل من استئجار بيت".

وتابع: "عندما أدخل للمكتب وأرمي السلام، أصبح بعض أصحاب المكاتب العقارية، مؤخراً، لا يردون السلام، بل يقولون مباشرة
(لا يوجد بيت فارغ للإيجار كله ممتلئ). وأصابتني حالة من اليأس بالنسبة لمشكلتي التي أصبحت معضلة حقيقية في إدلب. فاليوم أصبحت إدلب ممتلئة عن بكرة أبيها بسبب حركة النزوح إلى المدينة".

وكانت حملة القصف الوحشي التي تعرضت لها المناطق المحررة بالفترة الأخيرة، الأكثر شراسة، منذ سنة. ويظن بعض الناس أن المدينة هي المنطقة الآمنة في الوقت الراهن، لذا تكثف النزوح إليها.

وتم الاتفاق ليل الجمعة على هدنة على تخوم إدلب، ما تزال صامدة حتى ساعة نشر التقرير.

ورغم أن مدينة إدلب تعرضت للقصف في الحملة الأخيرة، لكنها بقيت بعيدة عن مناطق الإشتباك، وأصبح الناس يلجؤون إليها بكثرة بحثاً عن الأمان في الوقت الحالي. ولا يخفى على أحد صغر مساحة المدينة، ولجوء الناس إليها بكثرة، واستيعابها لأكثر مما تحتمل.

وأضاف "أبو المعتصم": "لم يبق لدي إلا بضعة أيام لتسليم البيت لأصحابه وإن لم أجد بديلاً سأضطر إلى بيع أثاث منزلي وأرسل زوجتي وأطفالي إلى حمص وأنا سأقيم عند أبناء عمي ريثما أجد حلاً لمشكلتي".

"أبو صالح"، مُهجّر حديثاً من مناطق الاشتباك الأخيرة في ريف إدلب الجنوبي، حدثنا عن رحلة بحثه عن منزل للإيجار، لكنها لم تكن طويلة قبل أن يقتنع بعبثية البحث، مما اضطره إلى إنشاء خيمة على أطراف المدينة والسكن بها مؤقتاً هو وعائلته، ريثما يعود الهدوء إلى قراهم ومنازلهم، على حد وصفه.

ومتابعة لهذا الموضوع التقينا بصاحب مكتب للعقارات، وسألناه عن سبب هذه الظاهرة، فقال: "في السابق وقبل هذه الحملة الشرسة من الاحتلال الروسي والأسدي كانت البيوت متوفرة لكن ليست بالكثيرة. أما اليوم بعد الحملة، أصبحنا كمكاتب عقارية نبحث عن بيت فارغ لإيواء الناس المهجرة والمشردة. وكل من كان لديه بيت فارغ أجرّه للمهجرين ومنهم من تقاسم بيته معهم".

وعقّب أن المدينة استقبلت في الآونة الأخيرة آلاف المهجرين من بيوتهم. ولا إحصائية دقيقة لأعدادهم.

وتابع: "اليوم يدخل على المكتب ما يقرب من 40 إلى 50 شخصاً يبحثون عن منزل للإيجار. ولكن للأسف لا يوجد. والبيت الذي يفرغ يتم تأجيره قبل إفراغه". وأضاف: "الإقبال على شراء البيوت في المدينة أصبح ظاهرة ملفتة للنظر بسبب ما تتعرض له البلاد".

وفي ختام الحديث تطرق صاحب المكتب العقاري إلى أن هذه الأزمة تعد الأولى من نوعها التي تمر عليهم، وهذا الشيء لم يحصل معهم حتى عندما تهجرت شرائح كبيرة من باقي المحافظات إلى مدينة إدلب.

وختم: "لكن اليوم أصبح الحمل أكبر، والمدينة صغيرة وتحملت فوق طاقتها، فكانت تقريباً تتسع لـ 200 ألف نسمة، أما اليوم فأصبح فيها ما يقارب من 400 ألف نسمة، أي الضعف، وهذا الشيء فوق قدرة الجميع".

ترك تعليق

التعليق