بين الاستيلاء والبيع والقانون.. لا منجى لمنازل جنوب دمشق


خلال الأسبوع الأخير فقط، صادر "جهاز الأمن السياسي"، أحد المؤسسات الأمنية لـ "نظام الأسد"، عشرات المنازل في بلدات "يلدا وببيلا وبيت سحم"، بمنطقة جنوب دمشق، وأبلغ قاطنيها بضرورة إخلائها بسبب تحولها لأملاك دولة، ليصار فيما بعد إلى ختمها بالشمع الأحمر.

ووفقاً للصحفي المُهجّر، فداء الصالح، فإنّ منطقة جنوب دمشق تتميز بأهمية عالية كونها تطل من شرقها على طريق مطار دمشق الدولي ومن غربها على أتسترداد "دمشق - درعا"، ولا تبعد عن مركز العاصمة دمشق سوى 8 كيلو متر فقط، ناهيك عن متاخمتها من جهة "الجنوب الشرقي" لمنطقة "السيدة زينب" التي تسيطر عليها ميليشيات شيعية طائفية عراقية ولبنانية محسوبة على إيران، وتتخذ منها معقلاً رئيسياً لها ومنطلقاً لتحقيق حلم الضاحية الجنوبية على غرار "ضاحية بيروت" مبدئياً، ووصلها بمنطقتي داريا ودمشق القديمة مستقبلاً بذريعة المقامات الدينية، لتفرض حزامها الشيعي حول العاصمة عبر التغيير الديموغرافي الناعم.

وبحسب الناشط، عمار قدسي، رئيس آخر لجنة محلية لمخيم اليرموك قبل التهجير إلى شمال سوريا، فإنّ منطقة جنوب دمشق تنقسم بحكم الواقع وظروف الحرب في الأعوام الماضية إلى أربعة أقسام، الأولى: منطقة تضم بلدات "الحسينية والذيابية وحجيرة والبويضة وغزال والسبينة" التي خرجت عن سيطرة الثوار في أواخر العام 2013، لا تتجاوز نسبة الضرر في منازلها 40 بالمائة، وإلى اليوم تمنع ميليشيات الأسد أصحاب المنازل من دخولها إلّا بشروطٍ قاسية قد لا يُلبيها سوى 10 بالمائة فقط.

المنطقة الثانية: أحياء "الحجر الأسود والتضامن والعسالي ومخيم اليرموك"، تبلغ نسبة الضرر في أبنيتها السكنية أكثر من 90 بالمائة كونها شهدت حرباً داميةً منتصف العام الماضي بين "تنظيم الدولة" من جهة و"ميليشيات الأسد وحلفائه" من جهةٍ أخرى.

المنطقة الثالثة: حي المادنية الذي يتبع إدارياً لحي القدم الدمشقي، تبلغ نسبة الخسائر فيه حوالي 60 بالمائة، خرجت منه فصائل المعارضة في الربع الأول من العام الماضي، وتمنع "ميليشيات الأسد" أصحاب المنازل من دخوله اطلاقاً.

المنطقة الرابعة: بلدات "يلدا وببيلا وبيت سحم"، لا يتجاوز حجم الأضرار فيها 30% كونها خضعت لمشروع المصالحة مطلع العام 2014 بعد حصارٍ خانقٍ تعرّضت له كامل منطقة جنوب دمشق قضى إثره 200 مدني نتيجةً لانعدام الغذاء والدواء. وتُقدّر نسبة المهجرين فيها من المناطق الثلاث المحيطة بحوالي 40 بالمائة من سكانها.

وأردف القدسي أن المنازل التي تُصادر في المنطقة الرابعة تعود لمدنيين تعرّضوا لتهجيرٍ قسري منتصف العام الماضي 2018 بسبب مواقفهم المعارضة لنظام الأسد رافضين الخضوع للتسوية أو ما سُمّي بالمصالحة.

وأضاف أنّ "الأمن السياسي" أعطى لقاطني تلك المنازل مهلةً حتّى نهاية الشهر الحالي للإخلاء مع منعهم من نقل الأثاث حتّى الذي يملكونه هم.

كما أشار إلى أنّ لجان المصالحة تتخذ وضع "المزهرية" من هذه الإجراءات المخالفة لبنود التسوية والتي من المفترض أن تكون بضمانة روسية، لا سيما وأن الأمر قد يتمدد إلى مصادرة كافة المنازل التي لا يمتلك قاطنوها عقود ملكية.

إخلاء المنازل خطّوة متقدّمة أتت بعد عمليات إحصاء ومسوحات كثيفة قامت بها العديد من الأجهزة الأمنية لا سيما "الأمن السياسي" عبر لجان محلية لهدف إفراغ المنازل التي يقطنها المهجرون من غير أصحابها والاستيلاء عليها.

كما يستند نظام الأسد في تبرير مصادرة الأملاك الخاصة على قانون مكافحة الإرهاب الذي يمنح المحاكم سلطة إصدار أوامر المصادرة لأسباب أمنية بحتة، وقد تصل حتّى عرضها للبيع في المزاد العلني، وهذا ما يضع أملاك أكثر من 10 مليون سوري "مهجر ولاجئ" لقمةً سائغةً في فم اقتصاد النظام.

تتشارك المنطقة الرابعة مع الأولى منذ العام الماضي في عمليات بيع وشراء المنازل لصالح "الميليشيات الشيعية الطائفية" عبر وسطاء "سماسرة" محليين بمبالغ زهيدة جداً قد لا تتجاوز 5 آلاف دولار أمريكي لمنزل يحتوي ثلاث غرف وصالون ومنتفعات بمساحة 100 متر مربع، مستخدمين التهديد الأمني لتحقيق ذلك، كما لم تنجو منهم المنازل المدمرة نسبياً، ويتصدر مشهد الإبتزاز والشراء في الآونة الأخيرة أهالي منطقتي "كفريا والفوعة" الخارجين من بلداتهم في ريف ادلب بالربع الأخير من العام الماضي بحسب ما قاله لـ "اقتصاد"، أمين مصعب، عضو اتحاد نشطاء جنوب دمشق.

فيما يبدو، تجري عمليات شراء الأملاك الخاصة أو مصادرتها بتغاضٍ من الطرف الروسي الذي بدا في عام 2018 راغباً بقصقصة الأجنحة الإيرانية حول العاصمة دمشق. إلّا أنّ روسيا وبعد تقليص وجود شرطتها العسكرية الشيشانية في المنطقة بعد ستة شهور من دخولها إليها وتسليمها للمخابرات الجوية، والفرقة الرابعة المعروفة بعلاقتها المتينة مع إيران، قامت روسيا بابرام اتفاقٍ مع الجانب الإيراني ينص على تولّي الأخير إعادة تأهيل الصرف الصحي والكهرباء والطاقة، بينما تحتفظ روسيا بإعادة تأهيل شبكات الهاتف والمياه وترحيل الأنقاض وفقاً لما أكّده حاتم الدمشقي، رئيس المجلس المحلي لحي التضامن سابقاً.

يُضاف إلى المناطق الأربع المذكورة بلدة عقربا التي خضعت لسيطرة الميليشيات الشيعية الطائفية عام 2013، وتعد الحلقة الأضعف كونها تعرّضت مبكّراً لعمليات ابتزاز أمنية أدّت إلى شراء قسم كبير من منازلها ومزارعها.

ويبلغ سعر المنزل في منطقة صحنايا مساحة 100 متر، أقرب نقطة لمنطقة جنوب دمشق من جهة ريف دمشق، 25 مليون ليرة سورية، بينما يبلغ سعر ذات المنزل في أحياء الزاهرة ونهر عيشة والدحاديل، أقرب المناطق السكنية الدمشقية المتاخمة لمنطقة جنوب دمشق، 35 مليون ليرة سورية.

الجدير بالذكر أن أجزاء كبيرة من منطقة جنوب دمشق "حي القدم، حي العسالي، مخيم اليرموك"، باتت تخضع للقانون رقم 10 الصادر في 02 نيسان/ابريل 2018 القاضي بإنشاء مناطق تنظيمية عقارية جديدة في جميع الجغرافية السورية بذريعة إعادة إعمار المدن المدمرة بشكل كامل دون توضيح معايير التصنيف.

يُشار أنّ منظمة "هيومن رايتس ووتش" توثّق انتهاكات نظام الأسد وحلفائه بحق الأملاك الخاصة، وكانت قد نشرت في تموز/يوليو العام الماضي تقريراً توضح فيه كيفية استيلاء الأجهزة الأمنية والميليشيات الطائفية على تلك الأملاك، مُحذّرةً من استمرار ذلك.

ترك تعليق

التعليق