ما دلالات إزالة صور "الأسد" من مطار دمشق.. ماذا تريد روسيا؟


أثارت صور تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي لمطار دمشق الدولي، موجة من الجدل والتكهنات، وذلك بسبب إظهارها خلو المدخل الخارجي للمطار من صور بشار الأسد، في حين زعمت مصادر إعلامية أن الصور أُزيلت في العام 2014، خلال صيانة مرافق المطار التي تعرضت للضرر.

لكن، وبالمقابل أكدت مصادر مطلعة أن تاريخ إزالة الصور لم يتجاوز الشهرين، وتحديداً بعد بروز أنباء عن استثمار شركات روسية للمطار.

وقارن الناشطون بين واجهة المطار عندما كانت مكتظة بصور بشار الأسد ووالده حافظ، وبين ما هي عليه الآن، وسط حديث عن دور روسي وراء ذلك.

وعززت هذه الأنباء الاعتقاد بأن روسيا باتت تحكم قبضتها على مؤسسات النظام السوري، العسكرية والاقتصادية وحتى الخدمية.

وسيق وأن أكدت مصادر، قيام النظام السوري بتأجير مطار دمشق الدولي لشركات روسية، بهدف تطوير بنيته التحتية، وتوسعته، لكن من دون أن تصدر تأكيدات رسمية من حكومة النظام.

وتعليقاً على ذلك، أشار عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري، عبد المجيد بركات، إلى مدلولات عدة لإزالة صور بشار من على واجهة المطار، سياسية، واقتصادية بالدرجة الأولى.

قطع الطريق

وقال بركات: "خلال الفترة الأخيرة، شهدت دمشق حراكاً مكثفاً من قبل شركات إيرانية وصينية مهتمة في مجال إعادة الإعمار، ومن هنا تحاول روسيا قطع الطريق على هذه الشركات ذات القدرة التنافسية العالية، لإعطاء الأولوية لشركاتها".  

واعتبر في حديثه لـ"اقتصاد" أن "من الواضح أن روسيا تأخذ تقويض النفوذ الإيراني على محمل الجد، لا سيما وأن المطار كان بعهدة طهران وتحت نفوذها المباشر، حيث كان يدار من قبل شركات يديرها رجل الأعمال صائب نحاس (ذراع إيران الاقتصادية في سوريا)".

وهنا نقل المسؤول في الائتلاف، عن جويل رايبورن مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، تأكيده أن موسكو تعهدت أمام واشنطن، بتقويض النفوذ الإيراني في سوريا، وذلك خلال اجتماع عقده الائتلاف مع رايبورن، في وقت سابق.

وأوضح بركات، أن توجه روسيا للسيطرة على مطار دمشق، الهدف منه إبعاد إيران عن هذه المنشأة الاستراتيجية، مبيناً أن "موسكو بصدد التأكيد للأطراف الدولية أنها تسيطر على كل مقدرات الدولة (نفط، فوسفات، سكك حديدية، مرافئ، ومطارات) السورية".

وبالمقابل أكد، أن "إيران سبقت روسيا إلى توقيع عقود مع النظام، وتحديداً في مجال شركات الإعمار، حيث ساعدتها أذرعها الاقتصادية الموجودة في لبنان وسوريا على فعل بذلك"، مضيفاً بقوله "ما يجري هو شق من الصراع الروسي- الإيراني بطابع اقتصادي".
 
وبهذا المعنى يعتقد بركات، أن "الصراع الاقتصادي الآن على دمشق -ومطارها بطبيعة الحال- بين موسكو وطهران، بدأ ينعكس على الصراعات الأخرى المتعلقة بالصراع العسكري والسياسي، وأيضاً الصراع على النفوذ داخل مؤسسات النظام".

روسيا غير متمسكة بالأسد

وأول النقاط التي يمكن التطرق إليها، في سياق الحديث عن دلالات إزالة  صور الأسد من على مدخل مطار دمشق الدولي، من وجهة نظر الخبير بالشأن الروسي، الدكتور نصر اليوسف، هي أن روسيا غير متمسكة بالأسد، بقدر تمسكها بمصالحها الخاصة.

وأضاف لـ"اقتصاد" من موسكو، أن "روسيا تدرك تماماً أن الأسد لم يكن يوماً في معسكرها، وهذا ما تثبته الزيارات الكثيرة التي أجراها بعيد استلامه السلطة في سوريا، إلى العواصم الغربية، علماً بأنه لم يزر موسكو إلا زيارة وحيدة، قبل الثورة".

وقال اليوسف، إن نقطة تحول مسار روسيا السياسي تجاه الملف، كانت شبه جزيرة القرم، حيث من الواضح أن روسيا وجدت في الملف السوري ورقة مقايضة أمام الغرب، موضحاً "خطوة ضم روسيا شبه جزيرة القرم في أوائل العام 2014، أثارت اعتراض الدول الغربية، وهنا بدأت روسيا تبحث عن أوراق لمقايضة الغرب، ووجدت في سوريا فرصة ذهبية، لهذا الغرض".

وتابع: "في أواخر أيلول 2015، بدأت روسيا بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، رداً على تجاهل الغرب للمطالب الروسية بالاعتراف بسيادة موسكو على شبه جزيرة القرم، لتوسع تواجدها في سوريا، لكن بدموية".

وبعد ذلك، بحسب اليوسف، تفتحت شهية روسيا على احتلال سوريا بشكل كامل، بعد أن وجدت نفسها لاعباً وحيداً في بلاد بنظام ضعيف فاقد لكل أوراقه، تسانده إيران التي هي بحاجة أيضاً إلى روسيا (الملف النووي الإيراني، العقوبات الاقتصادية الغربية).

وبالعودة إلى خطوة إزالة صور الأسد من مطار دمشق، اعتبر اليوسف أن "من الطبيعي أن تبدأ الشركات الروسية بعد أن أخذت على عاتقها تسيير المطار، بإجراءات من شأنها أن تظهره بوجه حضاري بعيد عن مظاهر التخلف، التي لا تليق وسمعة روسيا، وهذا الأمر معهود في المطارات الروسية أيضاً، علماً بأننا لا نستطيع أن نقول أن روسيا هي مثال للديمقراطية والشفافية".

وتابع "موسكو تريد أن تشعر الآخرين بأن مطار دمشق تحت إدارتها، يختلف بشكل كبير عن ما كان عليه تحت إدارة الأسد"، وعلق بقوله "موسكو تروج لحكمها وطريقة إدارتها لكل سوريا من خلال هذه الواجهة".
 
من جانبه، عدّ الصحفي حسام الجبلاوي، في حديثه لـ"اقتصاد" أن "من الواضح أن روسيا لا تقيم أي مكانة للأسد، وهذا الأمر يوضحه أكثر من واقعة، منها إزالة الصور، وكذلك  عدم الرجوع إلى الأسد بخصوص الشأن العسكري"، مضيفاً "هذا ما بدا واضحاً خلال الجولة الأخيرة من مباحثات أستانا، حيث اتخذت روسيا بالنيابة عن النظام قرار وقف إطلاق النار في إدلب، علماً بأنها هي من اتخذت قرار التصعيد سابقاً".

هل تتخلى روسيا عن الأسد؟

واستناداً إلى ما سبق، يثار تساؤل حول ما إذا كانت روسيا باتت على استعداد للتخلي عن الأسد، في إطار صفقة ما؟

ومجيباً على ذلك، بدا الخبير بالشأن الروسي، نصر اليوسف، جازماً، بأن موسكو على استعداد لمقايضته بشخص آخر، فور ظهور صفقة ترضي طموحها، سواء لجهة تواجدها العسكري في المنطقة، أو لجهة شبه جزيرة القرم.

وأوضح أن "روسيا مستعدة لاستبدال الأسد، في حال اعترفت الأطراف بأن سوريا أصبحت من حصة موسكو".

أما عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، عبد المجيد بركات، فاعتبر أن روسيا لا زالت غير مستعدة للتخلي عن بشار على الأقل في المدى المنظور.

وقال، إن "روسيا في كل تصريحاتها تؤكد أنها ليست متمسكة بالأسد وبنظامه، وإنما بالدولة السورية، غير أن مفهومها لهذه الدولة يختلف عن مفهوم المعارضة للدولة السورية، فهي تعتبر أن نظام الأسد جزء من الدولة السورية".

وأضاف بركات، أن "روسيا لا زالت متمسكة بالنظام وببشار الأسد على وجه التحديد، لضمان تحقيق مصالحها، وضمان سريان كل العقود التي وقعتها معه، والحصول على اعتراف لكل الصفقات التي وقع عليها الأسد".

ووفق عضو الهيئة السياسية، فإن "انتهاء روسيا من كل ذلك، قد يجعلها تميل إلى الاستغناء عن الأسد، واستبداله بحاكم سوري آخر".

ترك تعليق

التعليق