تعرف على الدولة التي تألقت بعد "طلاقها غيابياً"


في 9 أغسطس/آب 1965 أعلن البرلمان في ماليزيا طرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي الذي كانت قد انضمت إليه قبل ذلك بعامين، ووسط دموع الحزن وليس الفرح أعلن زعيم الجزيرة، لي كوان يو، استقلالها الذي كان أشبه بالطلاق الغيابي، لتبدأ منذ تلك اللحظة رحلة سنغافورة إلى المجد الاقتصادي والازدهار. فما هي الحكاية؟

تُجمع المراجع التارخية على أن تاريخ سنغافورة الحديث بدأ في أوائل القرن التاسع عشر عندما استقر الإداري البريطاني، ستامفورد رافيلس، في جزيرة جاوة واختار تطوير الجزيرة لتكون مركزا تجاريا تابعا لشركة الهند الشرقية-البريطانية.

وكانت سنغافورة واحدة من ثلاث مدن شكلت لاحقا مستعمرة بريطانية ثرية عرفت باسم مستوطنات المضايق (المدينتان الأخريتان هما ملقا القريبة من كوالالمبور، وبينانغ التي تقع في شمال غرب ماليزيا).

وقد شجع الحكام في سنغافورة العمال على الهجرة من المستعمرات البريطانية في جنوب آسيا إليها، كما رحبوا بالتجار والعمال الصينيين الذين انتقلوا إلى الجزيرة من الصين وجنوب شرقي آسيا وباتوا لاحقا أكبر مجموعة عرقية في سنغافورة.

في عام 1959 منحت بريطانيا سنغافورة درجة كبيرة من الحكم الذاتي وصار لي كوان يو زعيم حزب العمل الشعبي رئيسا للوزراء بعد فوزه في الانتخابات.

وقد رأت القيادة الجديدة في سنغافورة أن من مصلحة الجزيرة الدخول في الاتحاد الماليزي المجاور، الذي يضم مجموعة من السلطنات التي استقلت عن بريطانيا.

وفي عام 1963 انضمت سنغافورة إلى ماليزيا ولكن هذه الوحدة لم تدم طويلا. فقد أثار بند في الدستور الماليزي يمنح أغلبية المالاي امتيازات غضب السياسيين في سنغافورة، أما القيادات الماليزية فشعرت أن الأغلبية الصينية المهيمنة على سنغافورة تمثل تهديدا لثقافة المالاي في البلاد كما تخوفوا من تمثل عبئاً اقتصادياً على ماليزيا.

وقد أدت هذه التوترات إلى أعمال شغب عرقية في سنغافورة عام 1964 سقط فيها عشرات القتلى.

وفي 9 أغسطس/ آب 1965 أعلن البرلمان الماليزي طرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي الذي كانت قد انضمت إليه قبل عامين، ووسط دموع الحزن وليس الفرح أعلن زعيم الجزيرة لي كوان يو استقلالها.

ولادة غير طبيعية

ورغم هذا الميلاد غير الطبيعي، وربما بسببه، صارت سنغافورة ناجحة اقتصاديا عبر الاستثمار في مينائها الذي صار أكثر موانىء العالم ازدحاماً على مستوى العالم، إذ استثمرت الحكومة في الموقع الاستراتيجي للبلاد عند مدخل مضيق ملقا.

ولتعويض افتقارها للموارد الطبيعية، فتحت سنغافورة أبوابها لرجال الأعمال الأجانب الذين جلبوا المهارات والثراء إلى الجزيرة التي يقترب عدد سكانها من 6 ملايين نسمة.

وكان التجنيد الإجباري مطبقا وقت قريب كما كان الحصول على تصريح بناء منزل يتطلب بناء ملاذ مضاد للقنابل.
وتقول منظمات المجتمع المدني إن الحكومات المتعاقبة في سنغافورة حققت نموها على حساب الحريات السياسية.

في أغسطس/آب 1965 أعلن لي كوان يو استقلال سنغافورة الفقيرة وهو يبكي، ولكن عندما توفي في 23 مارس/أذار عام 2015 عن عمر 91 عاما ترك الجزيرة وهي أكثر ثراء بكثير من جاراتها.

ومنذ أغسطس/آب 2004 يتولى منصب رئيس الوزراء في الجزيرة لي هسين لونغ الابن الأكبر لمؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يو.

ويسير لونغ، الذي درس في جامعة كامبريج وعمل ضابطا في الجيش، على خطى والده في بناء اقتصاد تنافسي والارتقاء بنظام التعليم والاستثمار في البحوث والتنمية.

وفي عام 2017 وصلت حليمة يعقوب إلى سدة الرئاسة في سنغافورة كأول امرأة وسط انتقادات بسبب غياب منافسين لها وعدم تأهل أي مرشح آخر.

وتنتمي حليمة يعقوب، وهي مسلمة، لأقلية الملايو التي قررت سنغافورة أن تكون الرئاسة هذه المرة من نصيبها بهدف تعزيز الشعور بالتعددية الثقافية والعرقية، علماً أن منصب الرئاسة هو منصب شرفي إلى حد بعيد.

ترك تعليق

التعليق