أكثر من 100 دولار، الفارق بين سعر طن الحديد "الوطني" والمهرّب.. لصالح من؟


حضرت مرة مناقشة بين صاحب مصنع آسيا للألبسة، الشهير في دمشق، وبين رجل اقتصاد أكاديمي، يقول فيها الثاني للأول، بأنه يستغرب كيف أن أسعار الألبسة في إيطاليا، أرخص منها في سوريا، على الرغم من أنها أكثر جودة.. ثم وقف أمامه ليريه أن البدلة الرسمية التي يلبسها، كان قد اشتراها من إيطاليا منذ أكثر من 15 عاماً، بمبلغ أقل من 100 دولار، بينما بذات المبلغ لا يمكن له أن يشتري بدلة بربع المواصفات من الملبوسات السورية.. ثم وجه له سؤال حاسماً: من يسعّر الألبسة في سوريا..؟، وما هي المعايير التي يتم اعتمادها في هذا التسعير والتي لا تتناسب مع دخل المواطن أبداً..؟

كان رد صاحب مصنع ملبوسات آسيا، لا يخرج عن الحدود التي كان يتحدث بها مسؤولو النظام في ذلك الوقت، بأنهم يهدفون لدعم الصناعة الوطنية والمنتج المحلي.. فرد عليه الأكاديمي: "هذه سرقة للمواطن وليس دعماً للمنتج الوطني.. هذا دعم لأصحاب رؤوس الأموال من أجل أن يزيدوا من أموالهم".

وما ينطبق على قطاع الألبسة، ينطبق على أغلب القطاعات الإنتاجية في سوريا، فالكل كان يلاحظ، أن ما ينتج محلياً، كان على الدوام، أغلى من مثيله في الدول الأخرى، وأحياناً أقل جودة منه بكثير.. وهذا الأمر ليس بالمقارنة مع دول شبيهة بسوريا، وإنما مع دول ذات دخل مرتفع.. ويعيش مواطنوها في بحبوحة.. ما السر؟

مؤخراً، أثارت عدد من وسائل إعلام النظام قصة الفارق الكبير في السعر، بين الحديد المنتج محلياً والحديد المهرب.. حيث يبلغ سعر الطن من الإنتاج "الوطني" 408 ألف ليرة، بينما يبلغ سعر طن الحديد المهرب أقل من 350 ألف ليرة، أي أن الفارق نحو مئة دولار.. وهو مبلغ كبير جداً بالمقاييس السورية.. فمن المستفيد من هذا المبلغ..؟ ومن جهة ثانية، من هم أولئك الذين يهربون الحديد اليوم إلى سوريا، سيما وأنه سلعة لا يمكن حملها في حقيبة..؟!

منذ سُمح للقطاع الخاص بالعمل في صناعة وتجارة الحديد في سوريا، وكان ذلك في التسعينيات من القرن الماضي، وهي محتكرة من قبل بضعة أشخاص فقط، وهم حكماً كانوا من المهربين الأوائل لهذه المادة في الثمانينيات، مثل أيمن جابر، الذي كان يعمل لصالح عائلة الأسد، وكان يمتلك أكبر مصنع حديد في سوريا، بالإضافة إلى وهيب مرعي، الضابط السابق في سرايا الدفاع، والذي كان يحتكر لوحده استيراد الحديد إلى سوريا..

لذلك، كان تسعير الحديد المنتج محلياً والمستورد، يتم بالتوافق بين هذين الرجلين، أيمن ووهيب، وبما يخدم مصالحهما بالكامل، ومصالح الجهات التي كانت تقف خلفهما..

بعد موت وهيب مرعي قبل نحو أربع سنوات، والتخلص من أيمن جابر قبل أكثر من عام، عاد تهريب الحديد ليحتل الساحة السورية من جديد، في عودة إلى زمن الثمانينيات، عندما كان سعره يعادل عشرة أضعاف المستورد من قبل الدولة، لكن هذه المرة، انعكست الآية، وأصبح سعر المهرب أرخص من سعر المنتج محلياً، والسبب في ذلك، أن منتجي الحديد هذه المرة، ليسوا من "عظام رقبة النظام"، كما كان في السابق.. وهو ما اضطرهم لتخفيض أسعار الحديد، ليصبح أعلى بقليل من سعر المهرب.. وهم في كلا الحالتين، كانوا يربحون..!

أغلب الظن، أن فوارق الأسعار التي نلمسها بين البضائع المنتجة محلياً، ومثيلتها في الدول الأخرى، المنتجة أجنبياً، لا يذهب جلّها إلى جيوب هؤلاء المنتجين، وإنما إلى جيوب أجهزة المخابرات والشبيحة والحلقات الوسيطة.. وعندما يضن هؤلاء المنتجون بالدفع، يتم تسليط المهربين عليهم، وذلك من أجل أن يدفعوا.

قال لي مرة رجل أعمال شهير، يعمل في الخارج، وقرر الاستثمار في سوريا، بدعوة من بشار الأسد، "بنيت مشروعاً سكنياً، وكنت أخطط لبيع الشقق بسعر مقبول، وصارحت الحكومة بهذا الأمر.. لكني فوجئت، والكلام لرجل الأعمال، أنني بعد الانتهاء من المشروع، وعند حساب الجدوى الاقتصادية، أصبحت مضطراً لمضاعفة السعر الذي حددته أول مرة، والسبب أن هذا الفارق ذهب كله كأتاوات لأجهزة المخابرات، التي أجبرتني على تعبيد طرق في الساحل، وترميم مدارس فيها وفي السيدة زينب، هذا ناهيك عن الهدايا العينية، التي كنت مضطراً لدفعها في كل مرة، من أجل عدم عرقلة المشروع.. ثم ختم بالقول: "جماعتنا لصوص"..

ترك تعليق

التعليق