جرمانا.. جنون العقارات، برفقة سوء الخدمات


تزامناً مع تردي الخدمات العامّة وسوء الأوضاع المعيشية، تشهد سوق العقارات في مدينة جرمانا بريف دمشق، لا سيما الوحدات السكنية منها، ارتفاعاً جديداً غير متوقع، بعد ركودٍ رهيبٍ دام لسنواتٍ طويلة.

ارتفاع تكلفة مواد البناء أحد أهم أسباب رفع أسعار العقارات، إذ أن سعر طن الحديد بلغ أكثر من نصف مليون ليرة سورية، وبلغ سعر طن الاسمنت 75 ألف ليرة، وسيارة الرمل 12 متر 125 ألف، والطوبة الواحدة 200 ليرة، وسعر متر البلاط 4 آلاف، ومتر السيراميك المحلي 6 آلاف، ومتر الرخام المحلي 23 ألف، وباب الألمنيوم 55 ألف ليرة، وسعر نافذة الألمنيوم 65 ألف ليرة سورية، ناهيك عن أجور الأيدي العاملة المرتفعة جداً، بحسب ما قاله لـ "اقتصاد"، "أبو يزن"، صاحب متجر لبيع مواد البناء والاكساء في حي الروضة بمدينة جرمانا.

ووفقاً لـ "أبو أيمن"، صاحب مكتب عقاري في حي القريات، فإنّ مالكي العقارات عمدوا خلال السنوات الماضية إلى انتظار حركة فاعلة للسوق مُنتهزين فرصة بيعها بسعرٍ أكبر مما تستحق. واليوم يشهد السوق حركة إيجابية لا بأس بها، حيث يتم عرض منزل طابق أرضي بمساحة 135 متر بحوالي 40 مليون ليرة سورية، كما عُرض منزل "استديو" 45 متر غرفة وصالون بسعر 8 مليون ليرة، وشقة طابق أول فني غرفتين وشرفة بسعر 16 مليون ليرة.

أمّا بالنسبة للأراضي فتباع في أطراف المدينة ما بين 20 ألف ليرة و 55 ألف ليرة سورية للمتر الواحد، لتكون بذلك أسعار المنازل أعلى مقارنةً بسنوات ما قبل الحرب، بحوالي 8 أضعاف، والأراضي بحوالي 11 ضعفاً.

وفيما يتعلّق بالمحلات التجارية، أكّد "أبو أيمن" أنّها باتت تُوازي أسعار وسط العاصمة وتُقاس بالسنتيمتر الّذي يبدأ بأدنى أسعاره في الشوارع العامة بأكثر من 5500 ليرة سورية، ويتدنّى كلّما كان المتجر بعيداً عنها.

لم تقف عجلة ارتفاع الأسعار عند البيع والشراء فقط، إنّما وصلت إلى أجور المنازل، ففي خضم ارتفاع الطلب على السكن جراء ظروف الحرب لا سيما النزوح منها استُغلت ظاهرة تأجير المنازل إلى أبعد الحدود، وغالباً ما يقع الراغب المضطر لاستئجار منزل فريسةً لجشع أصحاب المكاتب العقارية "الوساطة أو السمسرة" ومالكي المنازل.

"أم رضوان"، نازحة من مدينة دير الزور منذ خمسة أعوام أُجبرت على تغيير أكثر من خمسة منازل بسبب انعدام إنسانية مالكيها ورفعهم للأجر الشهري بلا مبرّرات قبل انتهاء مدّة العقد.

وبحسب ما قالت لـ "اقتصاد" فإنّ الأجرة الشهرية لمنزلٍ صغيرٍ مُكوّنٍ من "غرفة وصالون ومنتفعات ضيّقة" في حارة شعبية جداً "حشوة أو مناطق مخالفات" وبكسوة متدنية للغاية تبلغ حوالي 50 ألف ليرة سورية في حدودها الدنيا، وترتفع كُلّما كان المنزل قريباً من الشوارع العامة، فهناك لا يُمكن إيجاد منزل صغير جدّاً بأجرة شهرية أقل من 100 ألف ليرة سورية.

الخدمات العامّة في المدينة سيّئة جداً بشهادات قاطنيها، حيث اعتادوا على مشاهدة بحيرات مياه الصرف الصحي العائمة صيفاً وشتاءً في شوارع أكثر الأحياء التنظيمية داخلها، كما يُلاحظ دائماً أكوام كبيرة من القمامة في بداية كل شارع وجادّة، ولم تُخدّم المدينة حتّى اليوم بالمياه الصالحة للشرب، كما تشهد أزقّة المدينة أزمة حادّة في المواصلات، إضافةً لانقطاع التيار الكهربائي لساعاتٍ طويلة.

أكثر مكاتب العقارات في مدينة جرمانا مملوكة من ضباط في أجهزة نظام الأسد، ولا تملك الرخصة الرسمية اللازمة لمزاولة المهنة، كما يستثمر مالكوها ظاهرة العرض والطلب في البيع والشراء والإيجار لتحقيق أرباح مضاعفة بسبب غياب تحديد هوامش الأسعار والتقييم من قبل وزارة الإسكان والأشغال العامّة كجهة مختصّة بذلك في دوائر نظام الأسد.

تبعد مدينة جرمانا عن وسط العاصمة دمشق حوالي 5 كم، وتقع في محافظة ريف دمشق من الإتجاه الجنوبي الشرقي متاخمةً لطريق مطار دمشق الدولي، وكان يقطنها 5 آلاف نسمة فقط في عام 1960، وحالياً تحوي مساحتها البالغة 6 كم أكثر من نصف مليون نسمة، وشهدت أولى مراحل تطورها العمراني أثناء توافد العراقيين إليها خلال الاجتياح الأمريكي الذي طال بلدهم عام 2003، وتعيش حالياً قفزةً نوعيةً في سوق العقارات والبناء بسبب الضغط الكبير من قبل النازحين..

ترك تعليق

التعليق