تناقض الحياة في إدلب.. قيامة في الجنوب، وأسواق مكتظة واستقرار في الشمال


ما إن أفرغ "أبو حسن" أثاث منزله في بيته الجديد المستأجر بمدينة إدلب، حتى شعر وهو الهارب من الريف الجنوبي للمدينة، كأنه خارج من الموت إلى حياة مستقرة.

في معظم المدن الجنوبية - في آخر جيب يسيطر عليه الثوار- "يشعر المرء وكأن القيامة قد قامت"، يقول الثلاثيني متحدثاً لـ "اقتصاد". ويتابع: "بينما كنا نعيش تحت وابل من القصف لا ينتهي نشعر هنا في إدلب بأن طاقة الفرج قد انفتحت لنا".

وعلى مدار ثلاثة أشهر، فرّ قرابة 500 ألف شخص من القتال الذي احتدم منذ رمضان الفائت في ريفي حماة الشمالي والغربي والريف الجنوبي لإدلب.

القتال العنيف والقصف المكثف بالمقاتلات الحربية والبراميل المتفجرة والراجمات أدى لحدوث كثافة في مشاهد النزوح على الطريق الدولي والطرقات المتفرعة عنه.

سيارات كبيرة تحمل الأطفال والنساء وما تيسر من أثاث وأخرى تحمل الماشية تسير جميعها في طريق واحد نحو المناطق الأكثر أمناً. لم تعد الحياة تطاق في مدن مثل مورك واللطامنة وخان شيخون وكفرنبل وكفرسجنة لأن مقوماتها "ليست موجودة نهائياً". في نفس الوقت لا تزال الحياة رغيدة في المدن والبلدات البعيدة عن هذا الواقع.

هذا التناقض.. هو نتاج قصف النظام. إذ أن المناطق التي تتعرض للاستهداف تنهار الحياة فيها، بينما تعيش المناطق الأخرى التي لا تتعرض للقصف؛ حياة مزدهرة.

يقول "معتز" النازح منذ 15 يوماً من ريف إدلب الجنوبي لـ "اقتصاد": "كلنا شعرنا بهذا التناقض الذي تحفل به المنطقة.. فررنا من أجواء الحرب والقصف والدماء لنشاهد هنا أسواقاً مكتظة ومنتزهات مزدحمة وحياة طبيعية".

يتابع: "بعد أن استأجرت منزلاً في ريف إدلب الشمالي ذهبت مع الأطفال إلى منتزه يقع بالقرب من مدينة معرة مصرين كان غاصاً بالزبائن والأطفال الذين يلعبون بالألعاب. شعرت أني عدت إلى الحياة من جديد نتيجة الإنارة العالية للمكان. في بلدتي كنا لا نستطيع تشغيل مصباح كهربائي ليلاً خشية القصف".

نزح "أبو حامد" من كفرنبل ليستقر في بنش منذ قرابة شهر. كل ليلة يتجول في المدينة التي لا تنام حتى الواحدة بعد منتصف الليل وملامح الدهشة لا تفارقه وهو يشاهد مشاريع تجارية عديدة افتتحت في المدينة في وقت تطحن فيه عجلات الحرب المدن والقرى جنوبي البلاد. "في وسط المدينة افتتح مول كبير مع استراحة لاحتساء المشروبات الساخنة، في الشارع المقابل هناك كافتريا متلألئة الأضواء على وشك الافتتاح.. مجموعة من الشبان يلبسون ثياباً جديدة ونظيفة تجمعوا للذهاب إلى أحد المسابح.. وفتيات يخرجن بمرح واضح من مدارس المدينة.. كان هذا تناقضاً عجيباً".

ينتقد العديد من الأشخاص ما تعيشه المناطق المستقرة من حياة عادية، بينما يرى آخرون أن هذا الوضع يعتبر نتيجة طبيعية لبُعد هذه المناطق عن المعارك.

يرى النازحون الثلاثة الذين تحدثوا لـ "اقتصاد" أن هذا الوضع "نعمة وليس نقمة". لذلك سرعان ما أحبوا الأجواء التي وجدوا أنفسهم فيها، بعد أسابيع طويلة من العناء.




ترك تعليق

التعليق