صيد الغربان.. مهنة تتجاوز حدود الصيد والتسلية في القلمون الشرقي


اعتاد غالبية أبناء منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، في كل عام، على صيد وتدريب طائر الغراب، وذلك من أجل استخدامه في موسم "الكوخ" الخاص بصيد الصقور المهاجرة التي تعبر الأراضي السورية.

أهمية الغراب وطرق صيده

وحول هذا الموضوع قال "أبو فيصل" الذي ينحدر من مدينة الرحيبة التي تعتبر المركز الرئيس لصيد وتجارة الصقور في سوريا، في تصريح خاص لـ"اقتصاد": "يمثل صيد طائر الغراب أحد أهم ركائز صيد الصقور بطريقة (الكوخ) بالنسبة لـ (الطرّاحين) - (الصيادين) من أبناء مدينة الرحيبة حصراً، لما يتمتع به هذا الطائر من مزايا تتيح للطرّاح النجاح في عملية صيد الصقر في حال تمّ تعقيد (ترويض) الغراب جيداً على ذلك".

وأضاف: "يعدّ طائر الغراب من الطيور شديدة الذكاء وليس من السهل الإمساك به، لذلك لا بدّ من أن تكون عملية صيده فعالة بصورة تحاكي نمط حياته أو نشاطه اليومي، ومن هنا ابتكر أبناء (الرحيبة) أساليبهم الخاصة في صيده فهي تتم إمّا عبر نصب شركٍ (فخ) للغراب على موارد المياه لأنه لا يستطيع مقاومة العطش، أو عن طريق الإمساك به في فترات الليل عند نهاية أو بداية كل شهر قمري، إذ أنه لا يستطيع استخدام حواسه بصورة كاملة خلال الظلام".

وأردف: "من عادة الغربان أن تنام بشكلٍ جماعي على عدّة أشجار قريبة من بعضها البعض تسمى (دار الغربان)، وهي من نوع شجر البطم والسويد المتواجدة في جبل (أبو رجمين) شمال مدينة (تدمر)، وجبل (البلعاس) جنوب شرق محافظة (حماة)، حيث تتخذها الغربان مكاناً للنوم كما أنها تتغذى من ثمارها، لهذا يحرص عشرات الطرّاحين من أبناء المنطقة على الذهاب في كل عام تقريباً إلى تلك المناطق على أمل الظفر بأكبر عددٍ ممكن منها".


وحول الخطوات اللازمة في صيد طائر الغراب، أوضح "أبو فيصل" بالقول: "بعد تحديد ومعرفة الأشجار التي تقصدها الغربان للمبيت في الليل، يتوزع عدد من الصيادين على الأشجار المحيطة بها، وتكون مختارة ومنتقاة بحيث تكون محط للغراب الذي يُطرد من داره ويتم انتقاؤها بحسب الخبرة والممارسة".

ويجلس الصيادون بعدها تحت تلك الأشجار منتظرين-كما يقول أبو فيصل-قدوم الغربان وبحوزة كل منهم شبكة منسوجة من خيوط البوليستر بطول وعرض 3 متر، معلقة بين قضيبين من القصب الطويل ويكون طولها مقارباً لارتفاع الشجرة؛ وبعدها يذهب أحدهم ويسمى "المُطفر" إلى حيث تنام الغربان ليقوم بتطفريها "إخافتها"، ما يدفع الغربان إلى التوجه إلى الأشجار المحيطة فتقع في الشباك ويتم إمساكها ولَفُها بقيدٍ من القماش يسمى "الكتاف"، وتتكرر هذه العملية لعدّة مرات.


تدريب الغراب

تجاوزت مهنة صيد الغربان حدود الصيد والتسلية عند معظم أبناء مدينة الرحيبة، لتصبح في الوقت الراهن "جزءاً لا يتجزأ من العادات والتقاليد المحلية المتوارثة بين الأهالي"، وذلك وفق تعبير الحاج "أبو مروان" الذي ما يزال يمارس مهنة صيد الصقور عن طريق الغراب منذ نحو 30 عاماً.

وعن طريقة تدريب طائر الغراب، بيّن الحاج "أبو مروان" البالغ من العمر 70 عاماً، في حديثه لـ"اقتصاد" أن عملية تعقيد "تدريب" الغراب صعبة، لكنها تصبح أسهل في حال تمكن المدرّب من إنشاء لغة تفاهم مع هذا الطائر الذكي الذي يتعلم من صاحبه أدّق التفاصيل في جميع أكواخهم وأماكن تواجدهم.

وأضاف "لتدريب الغراب نقوم بوضع خيطين برجله وخيط في عنقه وتلتقي الخيوط الثلاثة بنقطة واحدة، وتسمى هذه الخيوط بـ(الشكار)، وهو عبارة عن ميزان يتوازن من خلاله الغراب ولا يختل طيرانه أثناء حَومِه في الكوخ؛ ثم نقوم بربط الغراب بخيط طوله أربعين متراً، طرفه الأول موصول إلى نقطة التقاء (الشكار)، والطرف الآخر يوصل إلى حجرة صغيرة يجلس فيها المدرّب، ويتم وضع حجر ليجلس عليه الغراب-بحيث يبقى مرفوعاً عن الأرض- ويوضع له طعامه وشرابه عند الحجر حتى يعرف أن هذا المكان مخصص له".


وتتراوح فترة تدريب طائر الغراب ليصبح جاهزاً على الحَوْمْ "الدوران"- حسب أبو مروان- بين 20 وحتى 30 يوماً، بعد ذلك يتم استخدامه في التكويخ عبر ربط ريش على بعد متر ونصف أو أقل خلف الغراب، وعندما يطير والريش خلفه يراه الصقر ويحسبه يطارد فريسة فينقض ليخلصه فريسته؛ وعندها يراه الكواخ ويحاول الإمساك به.

وفيما يخص أنواع وأسعار غربان الصيد، قال "رياض العلي"، صيادٌ وتاجر طيور من أبناء منطقة "القلمون"، إن هناك نوعان مختلفان للغربان؛ فمنها الغراب النوحي الذي يتميز بكبر حجمه وثقل وزنه ويحتاج إلى خيط أطول ليتكيف مع الدوران، ومنها الغراب النجدي الأخف وزناً والأصغر حجماً والأكثر استجابةً وذكاء؛ لذلك فإنه المفضل لدى الكواخين-خصوصاً القدامى- لخفته وقدرته على الطيران بنشاطٍ ويسرٍ كبيرين.


وبالنسبة لأسعار الغربان أشار "العلي" إلى أن سعر الغراب النجدي قبل التدريب يتراوح بين 100 إلى 200 ألف ليرة سورية، وبعد التدريب 300 ألف ليرة، في حين يتراوح سعر النوحي بين 75 وحتى 100 ألف ليرة، ويبلغ سعره بعد التدريب 150 ألف ليرة، وهذا ما يدفع أبناء المنطقة لشرائه.


ترك تعليق

التعليق