تحليل- تركيا ربما تعمل على وصل إدلب بشرقي الفرات، وهذا ما يخيف الروس


لا يمكن التكهن بمصير الشمال السوري بشقيه (الشرقي والغربي) لكن يمكن رسم بعض الخطوط العريضة للصراع المحتدم والذي يعتمد على النفس الطويل لدى جميع الأطراف.

على ضفتي نهر الفرات التي شهدت صراعات كبيرة منذ القدم يحاول جميع الأطراف المتصارعة حالياً إعادة رسم الخريطة على النحو الذي يريده كل طرف. العمل قائم على أساس تصيد أخطاء الآخر بغية الحصول على مكاسب ولو بشكل تدريجي وبوتيرة بطيئة جداً.

ويعتقد كثيرون أن لدى الروس والأتراك خريطة متفق عليها في الشق الغربي من المنطقة (إدلب) بموجب اتفاق أستانة واتفاق سوتشي الذي تمخض عنه.

كما يسعى الأتراك للوصول إلى نفس التفاهمات شرقي الفرات مع الأمريكان.

وتتطابق أهداف أنقرة في كلا الصراعين بالعمل على إيجاد موطئ قدم على الطرقات الدولية التي تربط المنطقتين بها وبالعراق كما تسعى لفتح المنطقتين على بعضهما وهو ما يشكل أكبر تهديد للنظام السوري والروس حيث تقتضي الإرادة الامريكية عزلهما عن العالم الخارجي.

روسيا غاضبة

في حماة؛ كانت الأحداث متسارعة. انسحبت فصائل المعارضة من جيب كبير وتعرضت نقطة مراقبة تركية للحصار من قبل قوات النظام، ما يوحي بخلاف ما مع الحليف الروسي تجلى في استهداف رتل تركي كان في طريقه إلى خان شيخون، وفتح النار على نقطة مراقبة جنوبي إدلب.

بموجب سوتشي هناك خريطة محددة اتفق عليها الطرفان فلماذا كان هذا الاستهتار الروسي بالسماح بحصار واستهداف نقاط تحوي جنوداً أتراك؟، ويمكن طرح نفس السؤال بطريقة أخرى؛ ما دام الطرفان قد اتفقا على الخريطة الحالية لجنوب إدلب فلم لم يسحب الأتراك نقطة المراقبة من مورك حتى اللحظة؟

هذا ما يوحي بوجود خلاف تركي- روسي على إثر الاتفاق الذي جرى شرقي الفرات الذي يشهد مشروعاً جديداً بتوقيع تركي-أمريكي يدعى "ممر السلام" وسينفذ على ثلاث مراحل ليكون الشريط الحدودي الذي يسيطر عليه الأكراد حالياً، خاضعاً لدوريات تركية-أمريكية مشتركة.

بين الاتفاق في شرق الفرات والخلاف غربي النهر يسعى الأتراك للحصول على أكبر المكاسب الممكنة وهذا ما يجعلهم عرضة لغضب موسكو التي كثفت من دعمها للنظام خلال المعارك الأخيرة ما أدى لسيطرة دمشق على ريف حماة الشمالي وخان شيخون.

يعتقد البعض أن تقدم النظام في حماة كان كرد فعل على اتفاق ممر السلام.

وفي إطار الرد لم يكن بوسع الأتراك فعل شيء سوى دعم قوات المعارضة لأن وضع تركيا لا يسمح بأكثر من ذلك.

موسكو في نفس الوقت لن تغلق جميع الأبواب على أنقرة خشية تفجر الوضع لاسيما مع وقوع الأخيرة في موقف محرج جراء استهداف قواتها في سوريا.

الواقع الاقتصادي يفرض نفسه

منذ العام 2014 وفي ظل اتفاق إخلاء مدينة حمص التي تتوسط الطريق الدولي بدت ملامح جديدة للحرب في سوريا تظهر للعلن.

تركزت أهم الأهداف لدى النظام في السيطرة على طريق التجارة الذي يربطه بالأردن والعراق و منهما نحو العالم الخارحي. وبدأ النظام بتنفيذ الخطة بالسيطرة على حمص ثم جاء التدخل الروسي ليساند النظام في تحقيق هذا الهدف فسقطت البلدات والمدن المشتعلة والتي كانت تحيط بالعاصمة كالكماشة. كما شهدنا إصراراً روسياً كبيراً للسيطرة على حلب.

للوهلة الأولى تبدو هذه الخطة الروسية قد حققت نجاحاً ملحوظاً. لكن مع وجود الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بإمكاننا القول إن روسيا فشلت فشلاً ذريعاً.

عشية سيطرته على طريق دمشق-درعا الذي ينتهي بمعبر نصيب، هلل النظام لخروجه من العزلة الاقتصادية.

لكن الرياح لا تجري دائماً بما تشتهيه السفن. إذ لم يحدث أي انتعاش اقتصادي لاسيما بعد حظر الأردن قرابة 190 منتجاً سورياً من دخول أراضيها، كما تمارس رقابة أمنية مشددة على الشاحنات والركاب المارين من المعبر.

لطالما كان فتح طريق بري من طهران وحتى دمشق حلماً إيرانياً خلال الحرب. بعد تراجع الثوار من مواقعهم على الحدود مع العراق والأردن تحقق هذا الحلم الذي لم يكتمل بسبب بضع مئات من الجنود الأمريكان المتمركزين في قاعدة التنف.

اللاعب الأمريكي

معركة إدلب تهدف للسيطرة على الشق المتبقي من طريق m5 المار من إدلب. في حين يفاوض الأتراك للحصول على طريق m4 الذي يربط مدينة الباب الخاضعة تحت النفوذ التركي بمنبج منها نحو الضفة الشرقية للفرات ويقطع كامل الشريط الحدودي منتهياً بمعبر ربيعة على الحدود مع العراق.

تركيا لن تفرط بالطريق الدولي بل ستسعى لوضع يدها عليه شرقي وغربي الفرات وما لم يتحقق ذلك فلن يتسنى لها حماية أمنها القومي عبر إيجاد منطقة وصاية على كامل الحدود مع سوريا وربطها بطرقات سريعة.

لذلك سيقتنص الأتراك أي فرصة لإعادة السيطرة على خان شيخون كون من يسيطر على هذه المدينة الكبيرة والهامة سيكون سيد الموقف. وهذا يفسر السبب في عدم سحبها نقطة المراقبة من مورك على الرغم من حصارها من جميع الاتجاهات.

لكن تأزم الوضع بين الروس والأتراك سيجمد الموقف بعد خان شيخون وهذا ما سيجعل الكرة بيد اللاعب الأمريكي الذي سيقرر إذا كان بإمكان تركيا الحصول على هذه المكاسب.

أو سيترك الروس يتوغلون شمالاً ليصلوا بين حماة وحلب ومنها نحو معبر باب السلامة مروراً باعزاز التي تخضع لإشراف تركي مباشر عقب عملية (درع الفرات).

التصور الثاني صعب الوقوع. على الأقل في ظل الظروف الراهنة. فربما تقتضي خطة البيت الأبيض المتمثلة في عزل المنطقة التي تقع تحت وصاية إيران وروسيا عن العالم الخارجي، إيجاد موطئ قدم للأتراك في سوريا.

ترك تعليق

التعليق