استثمارات أسدية.. التكية السليمانية، من أثر تاريخي إلى مطعم


لطالما كانت التكية السليمانية مثل سواها من آثار دمشق التاريخية مثار اهتمام مستثمري النظام وتجاره، وتُسيل لعابهم كونها مصدر رزق سهل للباحثين عن استثمارات سريعة، ولا يأبهون للقيمة التاريخية والآثارية لها.

دمشق القديمة.. أولاً

عبثت منظومة النظام ممثلة بمحافظة دمشق ومفسديها بالإرث التاريخي الذي تمثله دمشق القديمة بما تحويه من آثار تعود إلى حقب زمنية مختلفة، تارة بالإهمال المتعمد الذي أغرقها من تحت بالصرف الصحي، وتارة بالضغط على التجار والأهالي لبيع محالهم وأملاكهم، وعبر القوانين الجائرة من استملاكات قديمة كما حدث مع تجار حي الحمراوي الذين ما زالوا يحاولون التمسك بحيّهم وأملاكهم في وجه منظومة ضغط جديدة متمثلة بالإيرانيين الذين يسعون للسيطرة على الحي المجاور لمقام (السيدة رقية)، وكذلك الطريق الذي يمر بحي العمارة الدمشقي من خلال مشاريع تحديث وتسوية يراد منها خلع الدمشقيين وما بقي منهم من بيوتهم وأسواقهم.

استثمارات التشويه

عمدت محافظة دمشق إلى عرض الكثير من بيوتات دمشق القديمة لاستثمارات سنوية وبمدد مختلفة ليصار إلى تحويلها إلى مطاعم تقدم الوجبات الغربية، أو كافتيريات للعشاق ومحبي الأرجيلة وعشاق المواعيد السريعة، وبأسعار خمس نجوم.

أخطر ما حصل لهذه البيوتات هو التشويه المتعمد لها، أو التغاضي عن الشروط القانوينة لإعادة الترميم بما يتوافق مع النمط المعماري الذي صممت عليه، وهذا بسبب الرشاوى والمحسوبيات التي تعيش عليها مؤسسات النظام.

التكية.. على الطريق

مخاوف علنية صدرت منذ أيام عن حرفيين يعملون في التكية السليمانية بدمشق أن هناك مشروعاً في الخفاء يهدف إلى إخراجهم من محالهم بحجة استثمارات جديدة وإعادة تأهيل، وسواها من العناوين التي تتسرب بين لحظة وأخرى لجس نبضهم وإخافتهم مما يخطط لهم.

صحيفة الوطن المملوكة لرامي مخلوف نشرت بعض هذه المخاوف عبر تسريبات عن مشروع الاستثمار والتأهيل الذي يؤكد أن التكية السليمانية آيلة للسقوط. ونقلت عمن وصفته بـ "رئيس شعبة المهن التراثية في اتحاد غرف السياحة السورية"، قوله: "هذا الإعلان يعني إخراج الحرفيين من محالهم في سوق التكية السليمانية وعدم إعادتهم إليها".

وحسب هذا المسؤول فإن الحرفيين طالبوا بإعاددة تأهيل محالهم بوسائط أخرى: "أبدوا استعدادهم للمساهمة كحرفيين تراثيين، سواء كانت عن طريق اشتراكات شهرية أو أن يقوم كل حرفي بترميم محله في التكية الصغرى، بالتعاون مع وزارة السياحة ومديرية الآثار والمتاحف ومحافظة دمشق، للحفاظ على القيمة الأثرية للمكان، ضمن المبالغ والإمكانات المتاحة".

مطعم مقابل المسجد

يتوسط المسجد الكبير باحة التكية السليمانية الكبيرة التي تبدو حجارتها القديمة خارجة من مكانها، وسط (بحرة) ماء أكل لونها الطحلب الذي تحول لونه للأصفر، وأما سوق المهن فعبارة عن مجموعة من المحال متراصفة على مساحة البناء العثماني الذي سبق وتعهد الأتراك أيام العسل مع النظام بإعادة ترميمه وبالفعل بدأ المشروع ثم توقف قبل الحرب.

هذه الفسحة التي تتوسط التكية ستتحول بناء على مشروع الاستثمار المسرب إلى مطعم كبير، وهذا يتطلب تحويل بعض المحال إلى مطبخ ومستودع وسواه ومن هنا تكمن خشية التجار من عدم إعادتهم.

مهن تراثية مهددة

السوق الذي يسمى بسوق المهن اليدوية يهتم بالتراث السوري عبر مجموعة من الحرفيين الذين يشتغلون بالنسيج (البروكار) والنحت على الخشب والنحاس إضافة لمصنع الزجاج وصناعة السجاد والأنوال الصناعية القديمة.

أحد العاملين يهذه السوق يقول لـ "اقتصاد": "بعد أن تحولنا خلال الأزمة إلى تجار شنطة ومحاصرين بجواز سوري لا يتيح لنا المشاركة بالمعارض وإنما نعتمد على بعض الدول في بيع منتجاتنا.. اليوم يفكرن بتحويلنا إلى عاطلين عن العمل".

تاجر في السوق يدعى "م . ت"، يقول: "هذه المحاولات ليست الأولى من نوعها وسبق أن حاولوا إخراجنا ورفع ايجارات بعض المحال، ومنعنا من السفر، واتهامنا بالتهريب، ولكنهم اليوم بحجة البناء القديم والاستثمارات يريدون طردنا".

استنساخ التجربة التركية

قبل 2011 قامت وزارة السياحة بالتعاون مع التجار بترميم عدد من المحال التجارية، وإعادة تأهيلها على النموذج التركي من حيث الأبواب والواجهات ولاقى ذلك استحساناً لكن التجربة توقفت عند هذا الحد، كذلك تم العمل على بعض المحال في محيط الجامع الأموي لكنها أيضاً توقفت بعد الركود الاقتصادي وتوقف حركة السياحة، وظهور الأطماع الإيرانية بشكل فج بغرض شراء المحال داخل السور القديم عبر الضغط والتهديد بالسلاح والخطف.

النظام ينفي

كعادته، النظام ينفي أن يكون هذا المشروع غايته إخراج الحرفيين، وأن الغاية من التأهيل إعادة صياغة البينة التحتية فقط، ووفق أحد مسؤولي الآثار فإن "الحملة التي أقيمت في الأيام الماضية ما هي إلا تخطيط من أشخاص معينين مروجين دون التقصي ومعرفة حقيقة تفاصيل المشروع، وذلك للإساءة إلى الدولة".

وأما عن خشية الحرفيين، فأعادها إلى جوانب مادية: "الحرفيون متخوفون من رفع قيمة الاستثمارات حيث كانوا يدفعون 18 ألف ليرة سنوياً، ومن المحتمل أن تصبح 150 ألف ليرة في السنة الواحدة".


ترك تعليق

التعليق