شائعات حول مصير "بطريرك الأسد" وأولاده


بدأ الأمر بـ "بوست" ملفت نشرته سيدة تُدعى "نسرين علي مخلوف"، على حسابها الخاص في "فيسبوك"، تقول فيه إن "عمها" محمد مخلوف وأولاده، رامي وإياد وإيهاب، باتوا تحت "الإقامة الجبرية".

وبعيد ذلك، نشرت "بوست" آخر قالت فيه "غابة بكل معنى الكلمة".

لاحقاً، تضخمت موجة من الشائعات والأنباء غير المؤكدة، التي تتحدث عن صراع ظهر للعلن، بين رأس النظام، بشار الأسد، وآل مخلوف، الذين كانوا لأكثر من عقدين من الزمن، أقوى أجنحة النخبة الضيقة الحاكمة في البلاد.

وتناقلت وسائل إعلام عديدة، الخبر المشار إليه، بروايات متعددة، ومختلفة. وقال بعضها إن "نسرين علي مخلوف" هي ابنة عم لـ "رامي مخلوف"، ابن خال الأسد. لكن لم يتضح إن كان المقصود أنها، ابنة عمهم بالفعل، أم أنها تمت بقرابة أبعد من ذلك لهم. ولم يتمكن "اقتصاد" من التحقق من هويتها. ذلك أنه من المعروف أن لـ أنيسة مخلوف، والدة بشار الأسد، شقيق واحد، هو محمد مخلوف، والد رامي وإياد وإيهاب مخلوف. ولها شقيقة وحيدة، هي فاطمة مخلوف. وبالتالي، من المستبعد أن تكون المدعوة "نسرين علي مخلوف" تتمتع بدرجة قرابة مباشرة لـ محمد مخلوف وأولاده.

لكن، رغم ذلك، فإن التدقيق في منشورات "نسرين علي مخلوف"، منذ 22 تموز/يوليو الفائت، يظهر أنها ربما تعلم تطورات ما على صعيد العلاقة بين آل الأسد وآل مخلوف. فهي منذ ذلك التاريخ تلمح إلى وجود "ظروف خارجة عن السيطرة"، ووعدت أن تتحدث عنها في وقت لاحق، مشيرة إلى أنها لا تستطيع البوح بها الآن.

وفي 10 آب/أغسطس، قالت "نسرين علي مخلوف"، إن هناك ظروف أجبرتها على الغياب، مكررة الوعد بالبوح بها، قريباً.

ويوم أمس الاثنين، باحت "نسرين علي مخلوف"، بما وعدت به، وأشارت إلى أن "من يعتقد ان الامور ستقف عند عمي محمد مخلوف وأبناءه رامي وإياد وإيهاب فليراجع اقرب عيادة بيطرية وصلت ولا نوضح يا ؟؟؟؟؟".

وعقبت بهاشتاغ "#الاقامة_الجبرية".

وعقبت ببوست آخر قالت فيه "غابة بكل معنى الكلمة".

ولاحظنا أن التعليقات الأولى التي تفاعلت مع "بوستها الأول"، كانت، فيما يبدو، من أصدقائها، إذ أن أحدهم ويدعى "أبو باسل جديد"، سألها "خير بنت العم". ومن المعلوم أن آل جديد، من العائلات العلوية القوية، التي تعرضت للكثير من التهميش والضغوط طوال العقود الماضية، بعد إطاحة حافظ الأسد بـ "صلاح جديد"، في العام 1970.

وتعليق آخر، نبّه "نسرين علي مخلوف"، بأن "المعارضة" قرأت "بوستها"، وطالبها بالحذف، وقال لها "بدو يقلك انو الارهابيين عم يشمتوا فينا ، وانو ياريت تحذفيه للبوست".

وتناقلت وسائل إعلام روايات عديدة عما حدث بين آل الأسد وآل مخلوف. أبرزها ما قاله "فراس طلاس"، رجل الأعمال الموالي للمعارضة، ونجل وزير الدفاع الأسبق، مصطفى طلاس، الذي أشار إلى أن روسيا طلبت من الأسد مبلغاً يصل إلى 2 مليار دولار أمريكي، بشكل مستعجل، وأن الأسد طلب المبلغ بدوره من رامي مخلوف "خازن أموال العائلة"، لكن الأخير تذرع بعدم توافر المبلغ، مما أشعل الخلاف، الذي يبدو أنه تفاقم، بين جناحي العائلة الحاكمة.

ونقلت وسائل إعلام عديدة هذه القراءة عن "فراس طلاس"، وتبنتها. بدوره، لم يتوقع فراس طلاس أن تذهب خلافات "مخلوف – الأسد" إلى مداها البعيد، وأن يتم "لفلفة" الخلاف. وشبّه محمد مخلوف، خال الأسد، ذو الـ 84 عاماً، بـ "البطريرك" في العائلة المالكة.
لكنه لم ينفي تماماً احتمال أن يحيل بشار الأسد "السلطة المالية" في العائلة إلى "بطريرك" جديد، حسب وصفه.

بدوره، دخل "أيمن عبد النور"، المستشار السابق للأسد، ورئيس تحرير موقع "كلنا شركاء" المعارض، على خط الشائعات والتأويلات، مشيراً إلى أن ما يحدث في سوريا الآن يشبه حادثة "الريتز كارلتون" الشهيرة في السعودية، حينما اعتقل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أولاد عمه، وطلب منهم جانباً كبيراً من الثروات التي جمعوها، لدعم خزينة النظام الحاكم. وهو ما يفعله بشار الأسد الآن.

وأضاف عبد النور، أن لديه معلومات غير مؤكدة بأن أسماء الأخرس، عقيلة بشار الأسد، تريد لعائلتها أن تكون "حارس المال"، على غرار السيدة الأولى السابقة، في إشارة لوالدة زوجها الراحلة، أنيسة مخلوف، التي لعبت دوراً في إحالة الشأن المالي للنخبة الحاكمة، إلى شقيقها وأولاده.

لكن مصادر أخرى أشارت إلى أسباب مختلفة بخصوص ما يُعتقد أنه نزاع بين العائلتين المتصاهرتين. إذ أشارت وسائل إعلام نقلاً عن مصادر وصفتها بالمطلعة، أن الأسد فرض الإقامة الجبرية، بالفعل، على خاله، وأولاده، رامي وإيهاب وإياد، وذلك بسبب رغبة الأسد في نقل حصة رامي مخلوف من شركة الاتصالات الخليوية "سيرياتيل" لصالح مؤسسة الاتصالات الحكومية.

فيما قللت وسائل إعلام أخرى من حدة الخلاف، مقرةً بوجوده. وتوقعت ظهوراً كبيراً لـ رامي مخلوف، لتكذيب الشائعات عن وضعه تحت الإقامة الجبرية. ربما خلال معرض دمشق الدولي.

وأرجعت مصادر إعلامية تدهور الليرة المتسارع في الأيام القليلة الفائتة، إلى حالة الصراع بين بشار الأسد ورامي مخلوف.

وحتى الآن، لا نستطيع في "اقتصاد" الجزم في مدى صحة أي من الروايات آنفة الذكر. لكن ننوه إلى أن الصراع بين أجنحة النخبة الحاكمة من أكثر السيناريوهات ترجيحاً في الوقت الراهن، لسببين رئيسيين، قلة الموارد التي يتم سرقتها، وبالتالي اشتداد الصراع عليها، والسبب الآخر، وجود قوى خارجية مؤثرة بشدة على المشهد السوري، ومتصارعة فيما بينها للاستحواذ على نصيب أكبر من الكعكة السورية. ونقصد بالتحديد، الصراع البارد الإيراني – الروسي، للاستحواذ على سوريا وثرواتها، ومواضع النفوذ داخل المؤسسات الحاكمة فيها. وبالتالي، فإن سيناريو الصراع داخل النخبة الحاكمة، سواء بين جناح آل الأسد، وجناح آل مخلوف، أو بين الشقيقين، بشار وماهر، مرجح بشدة، وفق التجارب التاريخية التي تشير جميعها إلى تكرار تجارب الصراع داخل العائلات الحاكمة، بعيد انتهاء الحاجة للحمة الداخلية في مواجهة خطر خارجي. بكلمات أخرى، حينما ينتفي خطر التهديد الخارجي، يصبح الصراع الداخلي في أوساط النخب الحاكمة، وارد بشدة. وهو ما يبدو أن سوريا تقترب منه، أو باتت في أتونه، اليوم.

ترك تعليق

التعليق