محاولات لإعداد المونة بأقل تكلفة.. في ريف حمص الغربي


رغم غلاء الأسعار والضيق المعيشي، يحاول الأهالي في مناطق سيطرة "النظام" التعايش مع هذه الظروف. وظاهرياً، بات الريف السوري يعيش بعضاً من الانفراج في الوضع المعيشي صيفاً، وخاصة في أرياف حمص والساحل السوري حيث خصوبة الأراضي وتنوع خيراتها، نوعاً ما.

وخلال هذا الصيف ومنذ بعض الوقت، شهد "ريف حمص الغربي" إقبالاً كبيراً لإعداد "المونة"، حيث استغل البعض الفرصة للبيع والتجارة، والكثير منهم أرادها محاولة لسد جزء من الحاجة في شتائهم الطويل والقاسي.


"الملوخية" واختلاف أسعارها
 
وقامت العديد من الأسر بتحضير "مونتها" للشتاء، ومنها التحضير بقطف وتجفيف كميات كبيرة من "الملوخية" الخضراء وذلك عبر شرائها بكميات كبيرة بسعر الكيلو (60) ليرة سورية، وتكون "بعروقها- أي كامل النبتة"، في حين بلغ سعر الكيلو الأخضر "المفروط" منها بـ(375) ليرة سورية، إلى جانب ذلك سجل سعر الكيلو اليابس من "الملوخية" سعراً مرتفعاً بـ(3500) ليرة سورية، وهنا استغل البعض الفرصة لشراء الملوخية الخضراء بكاملها، والعمل على تجهيزها للاستهلاك، وثم بيع الكيلو "يابس أو أخضر" جاهز للطبخ، وينتج عن هذا ربح لا بأس به. والعديد من الأسر قامت بقطف و"تيبيس" الملوخية كمونة لهم، حيث تبلغ حاجة الأسرة متوسطة عدد الأفراد ما يقارب (3 - 5) كيلو من الملوخية اليابسة.

دبس الرمان والبحث عن بديل الغاز

كما لجأت العديد من الأسر لتحضير "دبس الرمان" وبيعه بكميات للسوق المحلي وتوريد بعضه إلى لبنان أيضاً، بأسعار مضاعفة. وللتخفيف من تكاليف صناعة دبس الرمان لجأ العديد من الأهالي إلى استعمال "نار الحطب" عوضاً عن الغاز لتوفر المكان والمساحة اللازمة، وللتخلص من مشكلة عدم توفر أو غلاء الغاز، حيث يحتاج تحضير دبس الرمان إلى فترة غليان لفترة طويلة على النار، وقد بِيع كيلو دبس الرمان الجاهز في الداخل بسعر تراوح بين (3000 - 3500) ليرة سورية، كما تم توريد قسم كبير منه لبيعه في لبنان عن طريق السيارات العاملة بين سوريا ولبنان بسعر للكيلو (30 ألف ليرة لبنانية أي ما يقارب عشرة آلاف ليرة سورية) وعاد ذلك على العاملين في هذا المجال، بربح جيد.

إعداد "البرغل" وطقوسه

كما يقوم أهالي وسكان ريف حمص الغربي، هذه الأيام، بإعداد مونة "البرغل". ومازال الكثير من الأهالي يلجأ إلى عادة قديمة كانت منتشرة بكثرة وتدعى "السليقة" حيث تشترى كمية كبيرة من "القمح= الحنطة"، وتُسلق على الحطب أيضاً في فسحة فارغة من الأرض قرب المنزل، وتُوضع بـ"حلة (قدر) كبيرة" مخصصة لسلق "الحنطة"، وتشهد طقوساً مميزة حيث يجتمع الجيران والأقرباء حول "حلة الحنطة" ويتبادلون الأحاديث ويشوون العرانيس والبطاطا، ويتذوقون "الحنطة المسلوقة"، ومن ثم يتم نشر الحنطة على سطوح المنازل المنظمة مسبقاً أو على "شراشف" أو "أكياس نايلون" على سطوح المنازل تحت أشعة الشمس حتى تجف، وبعدها تتم عملية تنقية البرغل حيث تجتمع النساء وتتشاركن في عملية "تنقاية" البرغل من بعض الشوائب مثل "الحصى والشعير والزيوان"، وترسل لاحقاً بعد "تنقايتها" إلى المطحنة للطحن إلى برغل. ويتمسك الكثير من الأهالي بهذه العادة. واليوم عادت وبكثرة إلى الريف الغربي من حمص فتجد غالبية الأهالي قد لجأ إلى "سلق الحنطة" لتأمين مونة البرغل الأساسية. وقد بلغ سعر كيلو "الحنطة" 250 ليرة سورية، وكيلو حنطة المعدة لتحضير "العيش" 300 ليرة سورية.

"المكدوس".. أساس للمونة

من أهم المؤن التي تُحضّر اليوم هو "المكدوس"، وقد استطاع أهالي ريف حمص الغربي أيضاً التقليل من تكلفة إعداد هذه الوجبة التي يتميز بها أهالي حمص وريفها، فقد لجأ الأهالي إلى "سلق" باذنجان "المكدوس" عن طريق إشعال نار الحطب في مكان فارغ قرب منازلهم أو في قطعة من أرض أو حتى في فسحة من منزل مهجور باستخدام ضلوع من الشجر وبعض الأخشاب، وبذلك لن يتم استهلاك الغاز.

ولجأ البعض إلى سلق الباذنجان ولكن بكميات قليلة (ثلاثة أو خمسة كيلو) يتم إحضار كمية كل فترة وسلقها على سخانة كهربائية في فترة وجود التيار الكهربائي وسيما في ساعات الفجر الأولى حيث تستيقظ ربة المنزل عند قدوم التيار الكهربائي وتقوم بسلق الباذنجان - وقد كان بلغ سعر كيلو باذنجان "المكدوس" ( 125) ليرة منذ بضعة أسابيع، ولكنه يسجل حالياً ارتفاعاً ملحوظاً إلى 250 ليرة سورية للكيلو بعد ارتفاع سعر صرف الدولار-.


وبعد سلق الباذنجان، يتم تمليحه جيداً وكبسه. وقد بلغ سعر كيلو الملح (50) ليرة سورية.

ومن ثم يتم إعداد الفليفلة للحشو وذلك بتنظيفها وتقطيعها وتجفيفها تحت أشعة الشمس ومن ثم طحنها. وقد بلغ سعر كيلو "فليفلة المكدوس" (250) ليرة سورية، والبعض فضل شراء الفليفلة جاهزة - بسعر للكيلو تراوح بين (2000 - 2500) ليرة سورية منذ أسابيع قليلة، ولكن ارتفع سعرها حالياً إلى 3000 ليرة سورية للكيلو.

كما يتم أيضاً حشو المكدوس بالجوز إضافة إلى الفليفلة - وتراوح سعر كيلو الجوز حسب النوع والجودة بين(2500 - 4000) ليرة سورية منذ أسابيع قليلة، ليسجل سعراً جديداً 3000 ليرة حالياً للجوز بقشره، و(6000-7000) ليرة للمقشر وحسب النوع.


وقد استعاض الكثير من الأهالي عن الجوز بوضع الفستق الذي بلغ سعر الكيلو منه بين ( 1800- 2000) ليرة سورية، ومن ثم رصّ الباذنجان المحشو بالأوعية الزجاجية أو البلاستيكية وغمرها بالزيت النباتي- وقد بلغ سعر 4 لتر زيت (2300) ليرة سورية منذ بضعة أسابيع ليرتفع الآن إلى (2500) ليرة سورية-.

الفقر والحاجة يمنعان الكثيرين عن تحضير المونة

ورغم توفير وسيلة بديلة عن الغاز وإيجاد بديل أرخص عن الجوز، لم تتمكن العديد من الأسر من إعداد مونة "المكدوس" بسبب ارتفاع أسعار مكوناتها، فكان إعداد (5) كيلو فقط يتطلب - قبل ارتفاع  سعر صرف الدولار- ما يقارب 1787 ليرة سورية. وبعد ارتفاع الدولار والأسعار معه، أصبحت التكلفة لنفس المكونات ما يقارب 2237.5 ليرة سورية. ومن المعلوم أن الأسرة السورية تحضر ما لا يقل عن 50 كيلو من "المكدوس" سنوياً وبهذا تصبح تكلفته مرتفعة تعجز عنها العديد من الأسر، ذلك أن التكلفة النهائية لمونة المكدوس تتراوح ما بين 17 ألف إلى 22 ألف ليرة سورية.


المربيات

ومن المؤن الأساسية في الريف الحمصي هي المربيات، وخاصة مربى "التين" ومربى "المشمش"، إلا أن ارتفاع أسعارها وكميتها القليلة في السوق، جعل العديد من الأهالي يغضون النظر عنها. وعند سؤالنا لـ "أم محمد"، وهي نازحة في "تلكلخ" من قرية في "ريف حمص الغربي"، عن إعداد مربى التين أو المشمش، كان جوابها: "يادوب أكلناه لحتى نعملو مربى".

وبيّنت لنا "أم حسن"، من أهالي قرية في المنطقة، بأنها استطاعت إعداد "قطرميزين" صغيرين من مربى المشمش و"قطرميزين" آخرين من "مربى التين"، حيث عملت على شراء "2 كيلو" كل فترة خلال الصيف، وتحضيره على السخانة الكهربائية في أوقات "مجيء" الكهرباء. وتقول "أم حسن": "اشتريت 2 كيلو من المشمش بسعر 400 ليرة سورية للكيلو، أكل منهم الأولاد بضع حبات ومن ثم قمت بنقعها بالسكر، حيث كل كيلو مشمش يحتاج كيلو سكر- بسعر 275 ليرة سورية (قبل ارتفاع الدولار)، وأصبح السعر(350) ليرة بعد ارتفاع الدولار-.

وتتابع "أم حسن": "قمت بنقعها حتى اليوم التالي، ومن ثم قمت بغليها على سخانة كهربائية في فترة الكهرباء، ومن ثم سكبتهم في (القطرميز) ليكونوا وجبات لأولادي في المدرسة كسندويش في الشتاء القادم. وكذلك اشتريت 2 كيلو من التين بسعر (400) ليرة سورية للكيلو، وصنعت منها على السخانة بعضاً من مربى التين، فلدي ستة أولاد في المدرسة بحاجة إلى سندويش في ساعات الدوام".


وعليه يبقى حال السوريين "المعترين" في مناطق "النظام"، العيش على الكفاف. وتبقى لهم القبور. في حين يعيش "النظام" وأزلامه و"شبيحته" وشركاؤهم وأبناؤهم، في رغد العيش. وتبقى لهم القصور.

ترك تعليق

التعليق