تذبذب الليرة يلهب دعوات الانفصال عنها في الشمال المحرر


مع التراجع الجنوني الأخير في سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الصعبة، وخاصة الدولار الأمريكي، سارع عدد من التجار في الشمال السوري إلى الدعوة لوقف كافة التعاملات بها، والاعتماد فقط إما على الليرة التركية أو الدولار.

وبقيت هذه الدعوات قائمة، رغم تحسن سعر صرف الليرة الأخير، ذلك أن التذبذب بين التدهور السريع، والتحسن المعاكس، لا يريح شريحة التجار.

وتحسن سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، ظهيرة الأربعاء، إلى 620 ليرة مبيع، في كثير من المناطق السورية.

لكن تدهور الليرة إلى 690 مقابل الدولار، يوم الأحد، كان قد ألهب دعوات الانفصال عنها في الشمال المحرر، إذ يعتبر هذا أسوأ سعر لليرة، في تاريخها.

وأثارت تلك التطورات في سوق الصرف قلق وريبة عدد من التجار العاملين في الشمال السوري، الأمر الذي دفع بهم لإعادة حساباتهم والتفكير ملياً قبل أي عملية بيع أو شراء بالليرة السورية التي تتعرض لحالة تذبذب شديدة.

"فادي عترو"، من تجار ريف إدلب، تحدث عن الدعوات للانفصال عن الليرة، وقال لـ "اقتصاد": "بالفعل هناك دعوات من هذا القبيل لوقف التعامل بالليرة السورية، وبدأنا نطرح في السوق وفيما بيننا كتجار موضوع تبديل العملة السورية بالعملة التركية أو بالدولار".

وأوضح أن السبب وراء تلك الدعوات هو أن "الليرة السورية بدأت تفقد مصداقيتها، جراء التذبذب الشديد، وقد تتهاوى وتتراجع قيمتها للوراء كثيراً".

ولفت الانتباه إلى أنهم كمجموعة تجار وصرافي عملة يطالبون فيما بينهم بضرورة التعامل بالليرة التركية بشكل كبير جداً، وذلك لضمان أموالهم وممتلكاتهم، على حد تعبيره.

وأشار "عترو"، إلى أن "تجار المواد الغذائية يعانون بشكل كبير من مسألة ارتفاع الدولار عند شراء البضاعة وبالتالي عند بيعها، ويعانون أيضاً من الخسارة التي تلاحقهم جراء ذلك"، مبيناً أن "مسألة تبديل العملة السورية بالتركية أو بالدولار مطروحة للرأي العام للنظر والبت فيها".

ونصح نشطاء المدنيين في الشمال السوري، بـ"التوقف عن التعامل بالليرة السورية وتحويل مدخراتهم مهما قلَّت أو كثرت إلى الدولار الأمريكي أو الليرة التركية حفاظاً على قيمتها الشرائية وحتى لا نكون نحن عوناً لمن يقتل أولادنا ونساءنا".

وتعليقاً على تلك الدعوات من تجار الشمال السوري، اعتبر الدكتور "ياسر العمر" وهو من سكان الريف الحموي، أن "هذه الدعوات تأتي في الوقت المناسب، وعسى أن تجد لها آذاناً صاغية فتتفاعل معها".

وقال إنه "من المعلوم أن هذا النظام يستفيد من القطع الأجنبي الذي يدخل الشمال المحرر، فيعمل على سحبه من هناك مقابل أوراق مطبوعة لا قيمة لها ولا رصيد، ويساعده في ذلك مجموعة من الصرافين والعملاء الذين يبحثون عن المال ولو على حساب دماء الأبرياء، ومن هنا فإن تلك الدعوات توقيتها مناسب".

أمّا المهندس "سعيد نحاس" فرأى أن للأمر شقين، "الأول يأتي من منطلق أن ما لم يسقطه الثوار يسقطه الدولار، وبالتالي فإن انهيار الاقتصاد السوري بسبب الانخفاض الحاد المتزايد في العملة، قد يؤدي بالضرورة إلى زيادة إحكام الخناق حول النظام وبنيته المصرفية، في ظل هروب رؤوس الأموال الموالية بعد أن شعروا بأن  الحبل يزداد حول رقابهم".

من جهة ثانية، فإن هذا التذبذب الشديد في سعر صرف الليرة، حسب "نحاس"، أثّر ويؤثر سلباً على ملايين السوريين سواء القابعين تحت سيطرة النظام أو في المناطق المحررة، لأن هذا الأمر أدى إلى ارتفاع  جنوني في الأسعار في كل المناطق السورية، وهذا الأمر جعل المدنيين يحسبون ألف حساب لقادمات الأيام.

 بدوره ، رأى الدكتور "سمير العبد الله"، خبير الدراسات السورية في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) في أنقرة، أن هذه الدعوات ليست ذات جدوى، وقال لـ"اقتصاد": "لا أظن أن هذه الدعوات ستجد استجابة كبيرة، لأن هناك صعوبات كبيرة تقف أمام هكذا إجراء، إذ أنه وعلى الرغم من استخدام الليرة التركية في دفع رواتب الموظفين العاملين في الشمال السوري، إلا أنها لم تستطع أن تحل محل الليرة السورية بشكل كامل حتى الآن، وخاصة أن معظم التجار مرتبطين بأعمال بالليرة السورية، سواء مع مناطق النظام أو مناطق شرق الفرات".

وتابع: "بالإضافة لذلك لا توجد احتياطيات كافية من العملة التركية أو الدولار تسمح بتغطية التبادلات التجارية في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك التفاهمات الدولية حول سوريا، والاتفاقات بين روسيا وتركيا، لذلك ليس من السهولة اتخاذ قرار كهذا، لكن يمكن استخدام الليرة التركية أو الدولار الأمريكي كعملات رديفة، وتشجيع الناس على الادخار بهما لتجنب الخسائر إذا تكرر انخفاض الليرة السورية بشكل أكبر. لكن لا يمكن أن تحل هذه العملات محل الليرة السورية في ظل الوضع الحالي".

يذكر أنه وفي العام 2015، دعت "نقابة الاقتصاديين الأحرار" سكان المناطق المحررة لمنع التداول بالعملة السورية، وبدء تداول الليرة التركية في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار في شمال سوريا، إلا أن هذه الدعوات لم تلق تجاوباً من بعض الأهالي الذين أصروا على البقاء على ما اعتادوا عليه بتداول العملة السورية، رغم الانهيار الواضح في قيمتها.

ترك تعليق

التعليق