لماذا أوقفت "قسد" العمل في "لافارج" للإسمنت؟


كشف مصدر محلي من محافظة الرقة شرقي سوريا، لـ"اقتصاد"، عن أسباب توقف معمل "لافارج" للإسمنت عن العمل وذلك بأمر من قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وقال "أبو عبد الله الرقاوي" وهو اسم مستعار للمصدر ذاته، لظروف أمنية، إن "معمل لافارج للإسمنت توقف عن العمل منذ شهر أيار/مايو الماضي، بعد أن استوردت قوات قسد المسيطرة على المنطقة كميات كبيرة جداً من الإسمنت التركي والإسمنت العراقي، الأمر الذي أدى لانخفاض سعر تلك المادة بشكل ملحوظ".

وتابع بالقول "إن سعر طن الإسمنت وصل لحدود 10 آلاف ليرة سورية، وهنا سارع تنظيم قسد لإيقاف تشغيل المعمل، كونه أصبح هناك  فائض جداً في السوق المحلي بمناطق سيطرتهم، ما أجبرهم على إيقاف المعمل وشراء الإسمنت كله من السوق واحتكاره عبر تجار يتبعون لهم، ثم قرروا إيقاف المعمل حتى يتم بيع جميع مواد الإسمنت التي لديهم".

و"منعت قوات قسد أيضاً استيراد الاسمنت من مناطق درع الفرات ومن العراق، وباتوا يصدّرون الإسمنت فقط إلى مناطق النظام، الأمر الذي أدى لارتفاع سعره ووصوله لأكثر من 3000 ليرة سورية للكيس الواحد (سعة 50 كغ)، ليتراوح سعر طن مادة الإسمنت ما بين 50 إلى 70 ألف ليرة سورية"، حسب "أبو عبد الله".

وكان معمل "لافارج"  توقف عن العمل منذ منتصف عام  2014  حتى بداية عام  2016، حسب المصدر ذاته، ليعود ويستأنف عمله، وأصبحت تديره "قسد" بشكل مباشر. وفي العام 2012 وما قبل ذلك، كان المعمل تحت إدارة خبراء إيرانيين وفرنسيين ومصريين، بالإضافة لعمال محليين سوريين، وكانت المنطقة وقتها تحت سيطرة الجيش السوري الحر. وفي العام 2014،  وبعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على المنطقة، بقي العمل قائماً في المعمل، لكن تم إجلاء الخبراء الأجانب المذكورين منه، وبقي العمال المحليون.

ولفت مصدرنا الانتباه، إلى أنه بقي يعمل في "لافارج" مدة شهرين قبل أن يهاجم تنظيم "الدولة الإسلامية" منطقة عين العرب/كوباني ويسيطر على المعمل، مضيفاً أن التنظيم وقبل خروجه من المنطقة قام بتفجير المعمل، وبعدها استغرقت صيانته نحو سنة تقريباً، إذ جلبت "قسد" وبدعم من التحالف الدولي مهندسيين محليين سابقين من أجل صيانته.

وكشف المصدر أيضاً، عن أن تنظيم "قسد" كان يتخذ المعمل كمقر لعملياته العسكرية السّرية، كون المعمل ضخم جداً وهو أكبر معمل في سوريا والوحيد في شمال شرقي سوريا، حيث يقع في الحدود الإدارية بين محافظتي الرقة وحلب، ومركزه الرئيس في قرية "الجلبية" بريف الرقة الشمالي الغربي.

ولدى سؤال المصدر عن موعد استئناف "قسد" للعمل في المعمل، أجاب إنه "من المحتمل أن يستأنف المعمل عمله بعد 4 أو 6 أشهر، لأنه في النهاية المواد المحتكرة من الإسمنت لدى (قسد) سوف تنفذ وسيضطرون بعدها لتشغيل المعمل".

يُذكر أنه في أواخر العام 2010، بدأ معمل "لافارج" إنتاج مادة الإسمنت الأسود بطاقة إنتاجية تصل إلى ثلاثة ملايين طن في العام، وأعرب الرئيس التنفيذي لمجموعة لافارج حينها "برونو لافونت" عن أمله في أن تكفي هذه الطاقة الإنتاجية حاجة سوريا التي كانت تعاني من عجز عن تأمين احتياجاتها من الإسمنت، إذ كانت المعامل التابعة لحكومة الأسد تنتج ما حجمه 5،8 مليون طن، وتلجأ إلى الاستيراد بكلفة عالية من تركيا أو لبنان، ليأتي المعمل ويضع حداً لعمليات الاستيراد تلك، وفق ما أفادت به وسائل إعلام موالية لنظام الأسد.

وذكرت المصادر ذاتها أن "هذا المشروع جاء نتيجة شراء قسم الاسمنت في شركة أوراسكوم المصرية بداية عام 2008، حيث قامت أوراسكوم وبالشراكة مع مجموعة ماس الاقتصادية التي يملكها رجل الأعمال السوري فراس طلاس بتأسيس الشركة السورية للاسمنت لترسيخ نفسها في سوق الإسمنت السوري".

وبالعودة إلى موضوع احتكار مواد البناء وارتفاع أسعارها في محافظة الرقة ومناطق سيطرة "قسد"، لم يقتصر الاحتكار على مادة الإسمنت فقط بل امتد ليطال كافة مواد البناء وأبرزها الحديد الذي ارتفع سعر الكلغ الواحد من 150 ليرة سورية إلى حدود 400 ليرة سورية.

ودفع غلاء أسعار مواد البناء شرقي سوريا، إلى عزوف عدد كبير من المدنيين عن القيام بترميم وصيانة منازلهم المتضررة جزئياً أو بشكل كامل جراء العمليات العسكرية التي شهدتها المنطقة في فترات سابقة.

وبينت مصادر محلية، أن "تكلفة بناء منزل مؤلف من 3 غرف تصل إلى حدود 700 ألف ليرة سورية، لكن ومع غلاء أسعار مواد البناء كالإسمنت والحديد، فإن تكاليفها ستكون مرتفعة جداً"، مشيرين إلى أن "هناك بعض الأهالي توقفوا عن إكمال بناء منازلهم كون بناء السقف لوحده يحتاج لثلاثة أطنان من مادة الإسمنت الأمر الذي يفوق قدراتهم على شرائه".

وحسب المصادر ذاتها، فإن "من يريد بناء منزل فإنه يحتاج إلى رخصة من البلدية التي تتبع للتنظيم المسيطر على المنطقة، في حين تقدر رسوم الترخيص بحدود 50 ألف ليرة سورية، لتشكل عبئاً إضافياً على من يريد بناء منزله بالتزامن مع غلاء أسعار مواد البناء".

ويتخوف سكان المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم "قسد" من استمرار احتكار المواد الرئيسة لصالحها، في ظل غياب أي جهة رقابية أو ضابطة، بالتزامن مع ظروف معيشية يعانيها الأهالي بسبب فرض هذا التنظيم قرارات وصفوها بـ"المجحفة"، إضافة لحالة الفلتان الأمني والاعتقالات اليومية التي تلقي بظلالها على عموم تلك المناطق، في شرقي سوريا.



ترك تعليق

التعليق