شاب عراقي يكرّس حياته لإنقاذ المهاجرين في رحلات الموت


اختار الشاب العراقي "ايهاب الراوي" التطوع لمساعدة المهاجرين عبر البحر المتوسط، ومن بينهم اللاجئين السوريين، كهدف لحياته، بدلاً من اللهو والاستمتاع كما يفعل الشباب عادة في مثل سنه. وتمكن الشاب الثلاثيني من تكوين فريق إنقاذ أطلق عليه اسم "فريق الإنقاذ الموحد"، استطاع خلال سنوات من عمله، إنقاذ آلاف الغرقى من اللاجئين في رحلات الموت عبر البحر.

وينحدر الراوي من مدينة الأنبار العراقية، لعائلة مثقفة، أكمل التجارة والإدارة في جامعتها، وعمل في عدة مجالات قبل أن ينخرط في المجال التطوعي عام 2003 قرب الحدود السورية العراقية بعد نزوح عشرات العائلات العراقية إلى هناك، إثر دخول الاحتلال الأمريكي.


 ويروي المتطوع الشاب لـ"اقتصاد" أنه شاهد بأم عينيه تعرض الكثير من العراقيين للإهانات وسرقة أبسط حقوقهم على مدار السنوات وعلى يد من يتحكمون بسلطة ومصير البلاد أو من يتبعون لها ممن جلبتهم أمريكا وأتباع إيران ليتحكموا بشؤون العراق، ولذلك شارك-كما يقول- في مظاهرات ضد الأمريكان والبريطانيين وحتى ضد سياسة الحكومة العراقية وضد كل السياسات التي يكون فيها العراقي هو المتضرر.

خرج الراوي من العراق وبدأ بتأسيس مجموعة تطوعية باسم "الإنقاذ الموحد"هدفها إنقاذ أرواح البشر واستقبال نداءات الاستغاثة التي يطلقها المهاجرون في البر والبحر بشكل مستقل ودون مقابل، عله يخفف من أوجاع أبناء بلده والهاربين من ظلم وإقصاء الحكومات، وتقديم معلومات ترشد وتحذر المهاجرين من التحايل عليهم وعدم استغلالهم من قبل المهربين وتجار البشر.


 وكانت الفكرة-كما يقول- أن عمل المنقذ ليس بالضرورة أن يكون على الأرض بل أحياناً قد تسير الأمور عبر (الكونترول) ووسائل التواصل الاجتماعي وهذا ما يفعله مع فريقه، إلى جانب أن المجموعة تضم عدداً من المتطوعين الذين يعملون على الأرض مع المنظمات الانسانية المتواجدة.

 وكشف الراوي أنه كان يعتقد مع متطوعيه بأن فكرة الفريق قد تستمر لأشهر أو ربما لسنة أو سنة ونصف على أكثر تقدير وينتهي كل شيء، لكن الهجرة-كما يقول- استمرت إلى يومنا هذا واستمرت معها قوة الفريق رغم أن عمله صعب وشاق، علاوة على أن البحث عن متطوعين دون مقابل أشبه بالأمر المستحيل.

 وأردف محدثنا بحماسة: "كنا نقاتل ليل نهار كي لا تكون هناك حوادث غرق وهذا ما حصل بالضبط"، لافتاً أن "حوادث الغرق تحصل عادة بسبب عدم إبلاغ أي جهة بخروجهم أو تعرضهم للخطر أو الغرق".


في بداية الهجرة كان "فريق الإنقاذ الموحد" يتولى تقديم الإرشادات وما الذي على المهاجرين فعله بعد الوصول إلى الحدود المقدونية حتى يصلوا إلى وجهتهم بسلامة وأمان، وكان لدى الفريق-كما يشير الراوي- شباب متطوعون يعملون أيضاً مع منظمات تهتم بالمهاجربن في ألمانيا والسويد، ويستلمون الحالات التي تصل ويقدمون الخدمات اللازمة لهم من طبابة أو طعام أو قطع تذاكر وإرسال اللاجئين الى الوجهة التي يريدون الذهاب اليها. أما الآن فتغير الوضع تماماً، إذ يقوم الفريق باستلام أي نداء إن كان من بحر إيجة أو البحر المتوسط أو دول البلقان أو أي مكان آخر على البر.

 وأكد صاحب المبادرة أن فريقه تمكن من إنقاذ المئات من المهاجرين، إلا بعض الحالات التي حصلت فيها حوادث غرق، وأغلب هذه الحالات تصل نداءاتها إلى المتطوعين في اللحظات الأخيرة.

وسرد الراوي قصة غرق قارب في البحر كان على متنه عشرات اللاجئين وكان لفريقه -كما يقول- دور بإنقاذ من نجا من الغرق، ففي الثالث من تشرين الثاني عام 2017 وصل إلى غرفة عمليات الفريق نداء استغاثة من قارب جاء فيه عبارة "غرقنا ، متنا" فقط، ولم يكن الفريق يعرف أي معلومات أو تفاصيل عن القارب فقط موقعه وكلمات الاستغاثة، وتم إبلاغ خفر السواحل اليونانية ليتضح في اليوم التالي إنقاذ 20 شخصاً وموت وغرق ثمانية بينهم أطفال، وهذه الحادثة المأساوية–بحسب المصدر- كان لها الأثر الكبير على معنويات الفريق مما زادهم عزيمة وإرادة وإصراراً على الاستمرار في إنقاذ هذه الأرواح البريئة وخاصة الأطفال منهم.

بعد حوالي شهر ونصف، شاهد الناجون الفيديو على قناة فريق الإنقاذ فعلّقوا أنهم كانوا على نفس القارب، وأردف الراوي أنه اتصل مع بعض هؤلاء الناجين وسمع منهم قصصاً مؤثرة عما حصل ذلك اليوم، وروى أحد الناجين أن من أرسل الموقع إلى الفريق فتاة عراقية كانت بجانبه على ظهر القارب وحينها تبلل الهاتف وتمكنت بمعجزة من أن ترسل موقعهم GPC وكتبت آخر الكلمات عبارة "غرقنا متنا" وبقي الناجي -كما قال- لساعات دون سترة نجاة، علماً أنه لا يعرف السباحة أيضاً، واسترجع الناجي خلال اللحظات الأخيرة –كما كان يتوقع- جوانب من حياته كأنها شريط سينمائي وكان يفكر بأمه وعائلته في سوريا.

 ويقول الراوي إن المهاجر الناجي ظل يجاهد في البقاء لأربع ساعات إلى أن لاح في الأفق قارب لخفر السواحل اليونانية قام بإنقاذهم وتم سحبه ليشاهد الفتاة بعد فراق أربع ساعات من الرعب والموت، وتم سحب طفلة من على باب غرفة القارب، فيما مات العديد من النسوة داخل الغرفة بسبب سرعة غرق القارب، وبقي حوالي سبعة إلى ثمانية ناجين بينهم نساء وأطفال متمسكين بدولاب سيارة (كاوتشوك) كان معلقاً على جانب القارب الغارق.

ترك تعليق

التعليق