لا مدافئ في مناطق "الحضن الدافئ"!


مع اقتراب دخول فصل الشتاء تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة "نظام الأسد" إقبالاً كثيفاً على مادة مازوت التدفئة وسط معوّقات كثيرة أهمّها ندرة المادة وسوء الإدارة والمحسوبيات وعمليات الغش الحاصلة بحق مُستخدمي البطاقة الذكيّة المخصّصة لاستلام المازوت المدعوم.

400 ليتر مازوت لكل أسرة حدّدتها شركة "سادكوب" لتخزين وتوزيع المحروقات" في "نظام الأسد" منتصف العام 2017 بسعر 180 ليرة سورية لليتر الواحد، بحيث تُقدّم على مرحلتين بين الأولى والثانية أربعة شهور، إلّا أنّ الاختناقات الأخيرة فرضت عليها تخفيض الدفعة الأولى في كافة المحافظات إلى 100 ليتر فقط.

"ناصر ج" يقطن في محافظة درعا "جنوب سوريا"، يعمل موظفاً في مؤسسة رسمية براتب 38 ألف ليرة سورية، لديه أربعة أطفال، أكّد لـ "اقتصاد" أنّ سبل تأمين بدائل المازوت كالحطب والغاز مسدودة أمام الناس جراء ارتفاع أسعارها، الأمر الذي يدفعهم مُجبرين للوقوف في طوابير المراكز المخصّصة لتوزيع المادّة وتحمّلهم شتائم وتجاوزات القائمين عليها.

وأشار ناصر، أنّ موظّفي نظام الأسد في الدوائر الأمنية والعسكرية والمقرّبون منهم يحصلون على كافة مخصّصاتهم مرّةً واحدة، بينما الناس البسطاء بالكاد يحصلون على الحد الأدنى من حقّهم الذي من المفترض أن يكون مُصاناً بموجب القانون.

وأضاف أنّه لجأ لأقاربه في إحدى دول الخليج لاستدانة مبلغ 300 دولار أمريكي مؤجّلة السداد يستطيع بها تأمين مازوت الشتاء لأطفاله.

ويتسائل ناصر، كيف سيهرب من صقيع الشتاء في "الحضن الدافئ".. من عَجِز عن تأمين المال اللازم لذلك؟

"عامر ق" يقطن في مدينة حمص "وسط سوريا"، يعمل في مكتب تعقيب معاملات بأجرة شهرية تبلغ 50 ألف ليرة، ولديه ثلاثة أطفال صغار، يقول أنّه في ظل انعدام كافّة مواد المحروقات يكون تحصيل 100 ليتر مازوت بالطريقة الرسمية انجازاً كبيراً وأفضل من لا شيء، فالمادة تُفقد كلّياً من الأسواق الرسمية في ذروة فصل الشتاء، في حين كان يصل سعر الليتر الواحد منها في السوق السوداء خلال السنوات الماضية وعلى مرآى دوائر نظام الأسد إلى أكثر من 600 ليرة سورية، ومن المتوقع حالياً بلوغه ضعف أسعار السنوات السابقة جراء فقدانه صيفاً، فكيف في فصل الشتاء الذي يتضاعف فيه حجم الاستهلاك، لا سيما وأنّ منطقة وسط سوريا تمتاز ببرد رهيب.

وأشار عامر أنّه منذ انتهاء شتاء العام الماضي بدأ وأسرته يحتفظ بكافة المواد البلاستيكية والكرتون لاستخدامها في الشتاء الحالي.

منذ سنوات تعاني مناطق "نظام الأسد" من أزمة محروقات أدّت أحياناً إلى شل حركة النقل وتوقف ما تبقّى من منشآت صناعية باختلافها، وأجبرته على فرض عدّة قوانين تقضي بتقنين الاستهلاك، وتفاقمت الأزمة أكثر منذ مطلع العام الحالي جراء عجزه في تسديد ثمن الواردات السابقة لعدم توفّر السيولة في البنك المركزي، واستمرار تجميد الخط الائتماني "الإيراني" منذ مطلع العام 2018 الذي كان يزوّده بجزء كبير من المحروقات، إضافةً إلى "تعاجز" روسيا عن تزويده بالمحروقات لذرائع عدم توفّر البنية التحتية وارتفاع تكلفة توريدها عبر البحر، علماً أنّها استحوذت على عقود التنقيب عن النفط والغاز في طرطوس.

 وكإجراء وقائي رمى "النظام" الكرة في ملعب الصناعيين، حيث سمح لهم باستيراد مادّة المازوت لمدّة ثلاثة شهور عبر طرق عديدة، إلّا أنّهم وقفوا متعثّرين جراء المخاوف من العقوبات الأمريكية الّتي قد تطالهم.

تحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة "نظام الأسد"، يومياً، إلى حوالي 6 مليون ليتر مازوت يتم تأمين جزء بسيط منها عبر الإنتاج المحلي، إذ يسيطر "نظام الأسد" على 20% من المنشات النفطية فقط، بقدرة إنتاجية تقل عن 30 ألف برميل يومياً، بينما تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكياً على 80% من الحقول النفطية في سوريا. ويُقدّر متوسط احتياج الأسرة من المازوت خلال فصل الشتاء بين 600 و 800 ليتر.

ويعد الحطب أهم البدائل المتوفرة، إلّا أنّ سعر الطن منه يبلغ حوالي 80 ألف ليرة مُسجلاً ارتفاعاً بنحو 15% عن العام السابق، أي أكثر من راتب شهرين "لمن يعمل"، وتحتاج الأسرة بين 3 و 4 طن طيلة فترة الشتاء، أمّا الغاز والكهرباء فيبدو من المستحيل استخدامها للتدفئة، حيث يبلغ سعر اسطوانة الغاز في السوق السوداء حوالي 5500 ليرة، والتسعيرة الرسمية للكهرباء تبدأ بين صرف 600 كيلو و1000 كيلو واط كل دورة 3 ليرات سورية، وبين صرف 1001 كيلو و1500 كيلو واط 6 ليرات، وبين 1501 كيلو و 2500 عشرة ليرات، وفوق 2500 كيلو واط بـ 29 ليرة سورية، ناهيك عن الانقطاعات الطويلة.

أمام هذه المؤشرات سيلجأ الناس كما السنوات السابقة إلى تدفئة أطفالهم عبر النايلون والكوتشوك والألبسة البالية، مُتجاهلين ما ستسبب من أمراض صحيّة خطيرة.

ترك تعليق

التعليق