تفاصيل وأرقام عن نشاطات تهريب الشباب من درعا إلى خارج البلاد


على الرغم من سيطرة نظام الأسد على الجنوب السوري، وتضييقه الخناق على الشباب المطلوبين، عبر المداهمات والملاحقات الأمنية والاعتقالات، إلا أنه من جانب آخر، فتح المجال واسعاً لضباطه المتنفذين، ولبعض المقربين منه، من أجل التربح، وجني المزيد من الأموال، وذلك من خلال عمليات تهجير ممنهجة لشباب المحافظة، تقودها وتسهلها شبكات تهريب ضالعة، مكونة من مهربين مقربين من السلطات الأمنية، والميليشيات الحليفة، وضباط في جيش النظام.

وأشار ناشطون ومصادر مطلعة إلى أن عمليات تهريب الشباب، من الجنوب إلى تركيا مروراً بإدلب وريف حلب الشمالي، وإلى لبنان عبر حمص، تتم جهاراً نهاراً وعبر حواجز النظام العسكرية، التي يسهل ضباطها عمليات المرور، مقابل مبالغ مادية كبيرة.
 
ولفت الناشطون والأهالي، إلى أن تكلفة تهريب الشاب من محافظة درعا إلى إدلب، تتراوح مع المصاريف الشخصية ما بين 3500 و4000 دولار أمريكي، فيما تبلغ إلى لبنان عبر حمص ما بين 1500 و2000 دولار، وفق شهادات أهالي بعض المهاجرين.

وأكد شهود عيان وسكان محليون أن عمليات التهريب، تتم بسيارات عسكرية، يقودها ضباط متنفذون من مستويات مختلفة، أو تتم بسيارات الضباط أنفسهم، لافتين إلى أن تلك السيارات المزودة بمهمات رسمية للضباط، تمر عبر ما يطلق عليه بـ "الطرق الحربية" وهي لا تتوقف على الحواجز العسكرية المنتشرة على الطرق، ولا تخضع للتفتيش.

عمليات التهريب لا تمر دائماً بسلام

شباب هاربون وأهالي أكدوا أن عمليات التهريب لا تمر دائماً بسلام، ويخضع الشباب خلالها إلى مختلف أشكال التضييق والابتزاز المادي، والضغط النفسي، والتهديد بتسليم الفارين إلى مخابرات النظام.

ويقول "أبو عز الدين"، 62 عاماً، وهو والد أحد الهاربين إلى الشمال السوري، إن الكثير من عمليات التهريب لا تنجح في تحقيق أهدافها، موضحاً أن بعض المهربين يقومون بتسليم الشباب الهاربين إلى السلطات الأمنية بعد أن يستوفوا المبالغ المتفق عليها.

واستشهد بما حصل قبل عدة أشهر، مع مجموعة مكونة من أكثر من 12 شاباً، حيث تم تسليم أفرادها إلى مخابرات النظام، بعد أن استحوذ الوسطاء على مقتنياتهم الفردية، من أموال وهواتف نقالة، وغيرها.

لماذا يغادر شباب درعا مناطقهم؟

يسعى آلاف الشباب من أبناء درعا إلى مغادرة الجنوب السوري، هرباً من الخدمة الإلزامية والاحتياطية في صفوف قوات النظام، أو بحثاً عن مستوى معيشي أفضل، بعد تردي الأوضاع الاقتصادية، وانتشار البطالة، أو بهدف التخلص من الملاحقات الأمنية، رغم حصول أغلبهم على التسويات الأمنية المطلوبة، والتي تبين أنها عبارة عن حبر على ورق، لا تحمي جميع المطلوبين لأجهزة النظام الأمنية.

مصادر حقوقية في المحافظة، وجهات توثيق مستقلة، أشارت بهذا الصدد إلى أن أجهزة النظام اعتقلت منذ إعادة السيطرة على الجنوب السوري قبل نحو عام، ما يقارب من 900 شخص بينهم بعض النساء، وجلهم يحملون بطاقات تسوية.

مبالغ كبيرة ترهق الأهالي
 
رحلة الهروب إلى الشمال السوري، تستنفذ أحياناً جل إمكانيات الأهالي المادية المتوفرة، وتكلفهم مبالغ مالية كبيرة، للحفاظ على سلامة أبنائهم.
 
وفي هذا الصدد قال "مجد ، س"، وهو عنصر سابق في الجيش الحر، وأحد الهاربين من درعا إلى إدلب، ومنها إلى تركيا، "اضطررت إلى بيع بعض أملاك العائلة لتأمين نفقات هروبي إلى إدلب"، لافتاً إلى أنه باع قطعة أرض مساحتها 7 دونم، بأبخس الأثمان، لتأمين المبلغ المطلوب.

وأضاف أنه موجود منذ أشهر في تركيا، وأنه ينتظر الفرصة المناسبة للتوجه إلى إحدى الدول الأوروبية.

فيما أكد "أبو خالد"، 55 عاماً، وهو موظف سابق، أنه اضطر إلى بيع سيارته الخاصة من أجل تأمين تكلفة تهريب ابنه "وائل"، 23 عاماً، إلى خارج البلاد، مشيراً إلى أن سيارته، هي كل ما يملك، وأن "وائل" هو الوحيد الذي بقي من أبنائه الثلاثة على قيد الحياة.

وأضاف أنه لا يريد أن يغامر بوجود آخر أبنائه في سوريا، خوفاً من أن يلقى مصير أخويه "خالد" و"ضياء"، اللذين فقدهما خلال الحرب، مؤكداً أن "وائل" وصل إلى "ألمانيا " قبل أشهر، وبدأ بتعلم اللغة، وأن أموره تسير بشكل جيد.

"سالم ، خ"، وهو عسكري منشق، رفض النظام منحه بطاقة تسوية لأسباب ما زال يجهلها، مما جعله يشعر بخطر كبير على حياته.

وأشار إلى أن أسرته، التي كانت قد سبقته إلى اللجوء في الأردن قبل أعوام، طلبت منه الخروج من سوريا بأقصى سرعة ومهما كلف الأمر.

ولفت باتصال مع أحد أصدقائه في سوريا، إلى أنه وصل مؤخراً إلى إحدى الدول الأوروبية، وهو الآن في طريقه إلى ألمانيا، مبيناً أن تكلفة رحلته تجاوزت الـ 12 ألف دولار حتى الآن، تكفل بتأمينها بعض أقاربه.

مصادر حقوقية مطلعة ومراكز توثيق مستقلة، قدرت عدد الشباب الهاربين من الجنوب السوري منذ سيطرة النظام على محافظتي درعا والقنيطرة في تموز من العام الماضي، بأكثر من 25 ألف شاب، وذلك بتسهيل من ضباط النظام، يضاف إلى هذا العدد، أكثر من 12 ألف مسلح، تم تهجيرهم قسرياً إلى الشمال السوري، في إطار التسويات الأخيرة، والهدف من ذلك كما أشارت تلك المصادر، هو إخلاء الجنوب السوري من شبابه، لتسهيل عملية السيطرة عليه.

ترك تعليق

التعليق