عصفور التين.. مصدر دخلٍ، وطبق رئيس على موائد أبناء القلمون


يقبل قسمٌ كبير من أبناء "القلمون" الشرقي في ريف دمشق، على اصطياد عصفور التين، في الفترة التي تبدأ منذ بداية شهر آب/أغسطس، وحتى أواسط تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وذلك عن طريق رصد أسرابه المهاجرة التي تأتي على شكل دفعاتٍ متتالية وراء بعضها البعض من الأردن ولبنان، إضافةً إلى تركيا بحثاً عن الدفء والغذاء.

في هذا الصدد، قال "عبد الرحمن بدوية" وهو شاب في 33 من عمره، يمتهن صيد الطيور بمنطقة "القلمون" الشرقي، في تصريح خاص لـ"اقتصاد"، إنّ موسم صيد عصفور التين يمتد إلى شهرين ونصف تقريباً، حيث تنشط في مثل هذه الفترة من كل عام عملية صيد وتجارة هذا الطائر الذي يهاجر عبر أسرابٍ ضخمة العدد، مما يشكل مورداً موسمياً هاماً للكثيرين من أبناء المنطقة.


وأضاف: "يمتاز عصفور التين بصغر حجمه الذي لا يتعدّى حجم راحة اليد، وهو يتمتع بمنقار مدبب حاد، ذي لون رمادي، ويتغذى على بعض أنواع الفواكه الصيفية الطريّة، مثل: التين والعنب والتوت، ولهذا الطائر أنواع عدّة منها: (أبو الرمان، الحمري، أبو القصب)".

ووفقاً لما أشار إليه "بدوية" فإنّ ممارسة صيد عصفور التين، تعبِّر عن هوس الكثير من أبناء منطقة "القلمون" ومدى تعلقهم بهذه الهواية/ المهنة؛ إذ أصبح الصيادون يعرفون أفضل المناطق التي يبيت فيها الطائر أثناء فترة قدومه من مناطق هجرته، فضلاً عن أنهم يقضون ليال طويلة في المزارع والبراري للظفر بأكبر عدد ممكن من هذا الطائر.

وتُصنف وجبة عصفور التين-حسب بدوية- من بين إحدى الوجبات الشهية الدسمة في سوريا ولا سيما في منطقة "القلمون"، بسبب مذاقه اللذيذ وغناه بالبروتينات، لذلك فهو هدف للصيادين الذين يفضلون أكله مشوياً على الجمر بعد نتفه وتنظيفه من الريش، فيما يلعب الشحم الأصفر المتراكم على لحمه دوراً هاماً في عملية شوائه بحرارة خفيفة من لهب الجمر.


وأوضح أنّ عصفور التين يُؤكل بعضمه الهش ويقدم على موائد أهالي المنطقة بوفرة، تتراوح كل وجبة منها بين 50 إلى 100 عصفور.

وعن أساليب وطرق صيد هذا الطائر، أوضح "محمد زيدان" وهو صيادٌ آخر من مدينة "النبك"، أنّ هناك طريقتين لصيد عصفور التين في منطقة "القلمون"، الأولى: تعتمد على استخدام بنادق صيد من أعيرة خفيفة، لكنها رغم ذلك غير مرغوبة نظراً لارتفاع تكلفتها والمجهود الذي تتطلبه في إعداد خراطيش الصيد من جهة، ولكون الخردق المستخدم فيها يلحق أضراراً بالغة بالعصفور ويتسبب بتفتيته وخراب دهنته التي تعتبر أساس النكهة في العصفور، من جهة أخرى.


أمّا الطريقة الثانية فهي تتم بشباك صيدٍ تُوضع بين الأشجار في المزارع بأطوالٍ مختلفة، ويفضل أن يكون الشبك من قياس 15 متر طول و3 متر عرض، أو 20 طول و3 عرض، ويتم تثبيتها بأعمدة "بواري" حديدية خفيفة، ترتفع حوالي مترٍ ونصف عن سطح الأرض، مع العلم أنّ تكلفة الشبكة الواحدة تقدّر بنحو 7000 ليرة سورية، في حين يقدّر سعر العمود الواحد بـ 2000 ليرة سورية.


وتابع قائلاً: "تقوم طريقة الشباك على خداع الطائر وجذبه إلى أماكن معينة تكثر فيها الأشجار وذلك من خلال أداة تُدعى بـ(الصواية) وهي جهاز يُصدر صوتاً مشابهاً لصوت عصفور التين الذي يتحرك ويطير في أثناء الليل باتجاه مصدر الصوت، ليتجمع في الأشجار القريبة منه؛ فيصطدم بالشباك المنصوبة ويعلق فيها".

وحول أسعار السوق الخاصة بعصفور التين، أشار "زيدان" إلى أنّ عصفور الشبك يُمْسك حياً قبل ذبحه، أي أنه يحافظ على قوامه كاملًا، لذلك يكون مرغوباً أكثر من العصفور الذي يتم رميه بالبارودة، وبالنسبة للأسعار فهي تتراوح حالياً بين 250 إلى 300 ليرة سورية، للعصفور الواحد، وذلك تبعاً لجودته ونسبة الدهون فيه.


ويذهب القسم الأكبر من طيور التين التي يجري اصطيادها-عقب جمعها وتفريزها في الثلاجات- للتصدير بسعر يصل إلى دولار واحد لكل عصفور، وذلك ببيعها إمّا للمطاعم الراقية في دول الخليج العربي ولبنان، التي تقوم بتحضير وجبات موسمية لروادها، أو لبعض شركات التجميل التي تقوم بشرائها من أجل صنع مواد تجميل أو أدوية فيتامين منها.


وفي هذا العام جال موظفون من دائرة الزراعة بمدينة "القطيفة" على المزارع والبساتين المتناثرة في مدن وبلدات "القلمون"، وأجبروا الصيادين الذين يستخدمون الشباك على إزالتها تحت تهديدهم بفرض غرامات مالية باهظة وملاحقة قانونية للمخالفين، وأكدّ "زيدان" أنّ هذا الإجراء شكلي وهو ناجمٌ في حقيقته عن مساعي أولئك الموظفين للحصول على رشاوى مالية ولا علاقة للأمر بمكافحة الصيد الجائر أو حماية عصفور التين من مخاطر الانقراض، حسب وصفه.


ترك تعليق

التعليق