الطلاب السوريون في لبنان.. ومحنة "الدوام المسائي"


رغم مرور ما يقرب من تسع سنوات على لجوء الكثير من السوريين إلى لبنان، لا يوجد حتى اليوم تنظيم مناسب لتعليم الأطفال السوريين في المدارس اللبنانية، ولم تتمكن مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الشريكة لها، من تأمين التعليم المناسب لكافة الطلاب السوريين، أو تأمين خطة لمستقبلهم التعليمي، بالرغم من المبالغ المالية الكبيرة التي قدمتها ومازالت تقدمها العديد من الدول الأجنبية وبعض الدول العربية لدعم العملية التعليمية للطلاب السوريين في لبنان.

ومع بداية كل عام دراسي في لبنان تتخبط المدارس اللبنانية في تسجيل الطلاب السوريين، ويعيش أهالي الطلاب السوريين معها، عنصريتها وتخبطها.. فحتى اليوم لا يوجد قرار ثابت لتسجيل الطلاب السوريين، وجميع الأهالي يرغبون بتسجيل أطفالهم في الدوام الصباحي الرسمي في المدراس اللبنانية، ولكن لا يسمح لهم بذلك، ولا يُستقبل إلا أعداد قليلة من الطلاب السوريين في الدوام الصباحي ممن يتقدم من خلال واسطة من أحد معارفه اللبنانيين.

التعليم الصباحي للبناني أولاً

في المدارس الرسمية اللبنانية في الدوام الصباحي لا يتم استقبال أي طالب سوري فيها إلا بعد الانتهاء من تسجيل الطلاب اللبنانيين، ويتم تسجيل الجنسيات الأخرى "أغلبهم من السوريين" في حال توفر بعض الشواغر لديهم، وأغلب الطلاب السوريين يتم قبولهم في الدوام الرسمي المسائي من الساعة (2) ظهراً حتى (7) مساء. ويمنع الطالب السوري الذي درس في الدوام المسائي الانتقال إلى الدوام الصباحي منعاً باتاً، وقد استغنت مدارس الدوام المسائي عن حصص الرياضة والرسم لضيق الوقت.

منهاج دراسي لبناني.. ولكن

بالرغم من أن المدارس اللبنانية في الدوامين الصباحي والمسائي تستخدم نفس المنهاج - بعض المدارس في الشمال اللبناني تستخدم نفس المنهاج ولكن مبسط قليلاً- إلا أن هناك فوارق كبيرة بين الدوامين يعاني منها الطالب السوري وعائلته، فهو يعود في وقت متأخر إلى البيت، ومعظم الطلاب السوريين تبتعد منازلهم عن المدرسة مسافة تتطلب وقتاً بين ساعة وساعة ونصف بـ"السرفيس"، ناهيك عن الفرق الكبير في عدد الطلاب بين الدوامين، ففي الدوام الصباحي لا يتجاوز عدد طلاب المدرسة كاملاً (300-400) طالب، بينما يتجاوز عدد الطلاب في الدوام المسائي الـ (1000) طالب، ليصل عدد طلاب الصف الواحد إلى (40 - 45) طالب، مما يضطر إدارة المدرسة إلى تقسيم الفرص (فترة الاستراحة) بين الحصص الدراسية إلى أربع فرص، كل مجموعة تخرج من الصف في فرصتين.

من يتولى التعليم المسائي؟

يضاف إلى ما سبق انخفاض جودة التدريس في الدوام المسائي مقارنةً بالدوام الصباحي، حيث يتم التعاقد مع نفس المعلمين اللبنانيين من الدوام الصباحي ليكملوا في الدوام المسائي- يتقاضى المعلم اللبناني 20 ألف ليرة لبنانية عن كل حصة درسية في الدوام المسائي من منظمة اليونيسيف-، ويُمنع المدرسون السوريون من التعليم في المدارس الرسمية اللبنانية منعاً باتاً، حيث يأتي المعلم "اللبناني" للدوام الثاني منهكاً وغير قادر على التدريس بنفس الكفاءة والنشاط الذي يظهره في الدوام الأول، بالإضافة لذلك نظرة المدرس اللبناني (لا تخلو من العنصرية والدونية) للطالب السوري، وطريقة المعاملة التي تختلف عن الطالب اللبناني.

مصاعب اللغة

يُعتبر عامل اللغة من أهم أسباب فشل الكثير من الطلاب السوريين، فالمدارس اللبنانية بغالبيتها تعتمد اللغة الفرنسية لغة أساسية لمناهجها، وعدد قليل منها يعتمد اللغة الانكليزية، مما أدى إلى رسوب أعداد كبيرة من الطلاب السوريين وتخليهم عن الدراسة، فالأهالي غير قادرين على تدريس أبنائهم المنهاج اللبناني باللغة الفرنسية التي يجهلونها، وهم بغالبيتهم عاجزون عن وضع معلم خصوصي لأبنائهم لارتفاع أسعار الدروس الخصوصية، حيث وصل سعر درس الخصوصي في مناطق الشمال اللبناني إلى (50) ألف ليرة لبنانية، وفي مناطق طرابلس وبيروت وصل إلى (50) دولار، وبعضها إلى (100) دولار. ويُقبل عدد من المدرسين اللبنانيين على تدريس الطلاب السوريين ضمن مجموعات ويتقاضون مبلغاً شهرياً يصل إلى (50- 100) دولار في الشهر على الطالب الواحد، إلا أن الطالب السوري هنا لا يجد فائدة كبيرة من هذه الدروس لكثرة عدد الطلاب.

السوريون والمدارس الخاصة اللبنانية

أعداد قليلة ومحدودة من اللاجئين السوريين يسجلون أبنائهم في المدارس اللبنانية الخاصة، والتي تنتشر بكثرة في لبنان وتتفوق في إمكانياتها وأساليب التدريس فيها على نظيراتها من المدارس الرسمية اللبنانية، ويعتمد عليها غالبية اللبنانيين في تدريس أبنائهم، وبعض هذه المدارس والتي تعتمد اللغة الفرنسية في التدريس يصل قسطها الشهري إلى (200) ألف ليرة لبنانية، وبعضها إلى (250) ألف ليرة لبنانية، والبعض يصل إلى (200) دولار شهرياً، وبعضها يصل قسطه السنوي إلى (900) ألف ليرة لبنانية، وبعضها إلى (مليون ليرة لبنانية)، بينما تصل رسوم التسجيل السنوية في المدارس الخاصة اللبنانية التي تدرس مناهجها باللغة الانكليزية إلى (6) آلاف دولار للطالب الواحد. ويبلغ ثمن الكتب (200) ألف ليرة لبنانية، وثمن القرطاسية (200) ألف ليرة لبنانية، وثمن اللباس المدرسي (100) دولار.

اليونسيف ودعم التعليم

إلى جانب الدعم الكبير للتعليم الرسمي اللبناني، تقوم منظمة اليونيسيف بدعم بعض المدارس الخاصة اللبنانية، التي يدرس فيها بعض الطلاب السوريين، وذلك عبر دفع جزء من قسط الطالب السوري المسجل لديها، فتقوم إدارة المدرسة بخصم جزء من قسط الطالب السوري، وبعض المدارس اللبنانية الخاصة لا تعترف بشكل مباشر بوجود دعم للطلاب السوريين من منظمة اليونيسيف فتقول للطالب السوري بأنها ستقدم خصماً له بجزء من القسط المدرسي.

ويجب الملاحظة، أنه لا يمكن للطالب السوري الذي درس في مدرسة لبنانية خاصة الانتقال إلى مدرسة لبنانية رسمية (دوام صباحي)، ويُسمح له بالانتقال إلى مدرسة لبنانية رسمية (دوام مسائي)، حصراً.

كانت وزارة التربية اللبنانية قد أعلنت مؤخراً بأنه يحق للطلاب السوريين القدامى (المسجلين في السنوات الدراسية السابقة في المدارس الرسمية اللبنانية في الدوام الصباحي) التسجيل هذا العام أيضاً في الدوام الصباحي، ويبدأ الدوام الصباحي للروضات في 26 أيلول، والدوام للمرحلة الابتدائية في 25 أيلول، والدوام للمرحلة الثانوية في 23 أيلول. وتم تمديد التسجيل للمدارس حتى نهاية الدوام الرسمي ليوم الخميس الواقع في 10-10- 2019.

ولا يُطلب من الطلاب السوريين سوى دفتر اللقاح ودفتر العائلة وبعض المدارس تطلب إخراجات قيد، وبعض المدارس تكتفي بورقة مفوضية اللاجئين لتسجيل الطالب السوري.

تطبيق القرار الصادر بحق الطلاب السوريين.. "كل مين يغني على ليلاه"

لم تلتزم المدارس الرسمية اللبنانية في تطبيق القرار الصادر بالنسبة لتسجيل الطلاب السوريين القدامى لديهم، فبعض المدارس الرسمية اللبنانية رفضت هذا العام إعادة تسجيل الطلاب السوريين المسجلين لديها سابقاً وقامت بنقلهم إلى الدوام المسائي بحجة عدم توفر أماكن لديها في الدوام الصباحي.

كما قامت بعض المدارس بعد قبول تسجيل عدد من الطلاب السوريين المسجلين لديها سابقاً، بالطلب منهم "عدم المجيء" في اليوم التالي، والانتقال للدوام المسائي، وبرروا تصرفهم هذا بصدور قرار من التربية بأنه يجب أن يكون في الصف مقابل كل عشرة طلاب لبنانيين طالب سوري واحد.
 
بالنسبة لتسجيل الطلاب السوريين الجدد في المدارس الرسمية اللبنانية - الدوام الصباحي

صدر قرار من وزارة التربية اللبنانية بالنسبة لتسجيل الطلاب السوريين الجدد في الدوام الرسمي الصباحي بأنه يشترط أن تكون الأم لبنانية أو الطالب المستجد لديه أخوة في نفس المدرسة منذ مدة ثلاث سنوات. ولكن أيضاً لم تلتزم غالبية المدارس اللبنانية بالقرار فبعضها رفض تسجيل طالب جديد لديه أخوة بنفس المدرسة منذ عدة سنوات بحجة عدم توفر أماكن لهم.

كما صدر قرار جديد هذا العام بالنسبة لتسجيل الطلاب السوريين الجدد، إذ لن يتم قبول التسجيل للطلاب السوريين الجدد سوى روضة ثالثة وما فوق.

بعض المدارس اللبنانية تفصل الطلاب السوريين.. ما السبب؟

لجأت بعض المدارس الرسمية اللبنانية بداية هذا العام إلى فصل الطلاب رغم أنهم مسجلين لديها منذ سنوات - يبدو كوسيلة من أجل أن تتلقى دعماً من مفوضية اللاجئين- كمدرسة "فريد سلامة" الرسمية في "كسروان جبل لبنان"، مثلاً.

تسجيل الطلاب السوريين في المدارس الرسمية اللبنانية - الدوام المسائي

يُسمح لكافة الطلاب السوريين التسجيل في المدارس الرسمية اللبنانية - الدوام المسائي (دوام بعد الظهر)، وبدأ قبول طلبات التسجيل للطلاب السوريين نهار الثلاثاء 2019/10/1 ويستمر يومياً إلى يوم الثلاثاء 2019/10/8  من الساعة الثانية إلى الساعة الرابعة بعد الظهر، ويبدأ التدريس لكافة المراحل يوم الأربعاء 2019/10/9. ويقبل تسجيل الطلاب السوريين في الروضات الدوام المسائي فقط من مواليد 2014.

ما هي الأوراق المطلوبة للتسجيل في الدوام المسائي؟

إخراج قيد - ملف مفوضية اللاجئين - دفتر عائلة (إخراج قيد)- دفتر لقاح - إفادة رسمية مصدقة - صورة شخصية - طابع مالي (1000) ليرة لبنانية.

وتتكفل منظمة اليونيسيف بتقديم الكتب والقرطاسية والحقائب للطلاب السوريين في الدوام المسائي بشكل مجاني وكلها موضوع عليها شعار اليونيسيف، مع دفع أجور المواصلات لهم.


فوضى كبيرة وتضارب في تطبيق القرارات تعيشها المدارس الرسمية اللبنانية بداية العام، وكل عام، فيما يخص تسجيل الطلاب السوريين، وحتى اليوم لا مستقبل يلوح في أفق الطلاب السوريين الذين يدرسون في لبنان، فالكثير منهم ليس بإمكانهم إكمال دراسته الجامعية المكلفة جداً في لبنان، باستثناء عدد قليل جداً من الطلاب الذين يحالفهم الحظ ويتم قبولهم في بعض المنح كمنحة "دافي" أو منحة "سبارك"، أو سواها.

ترك تعليق

التعليق