27 مليار دولار لتوطين لاجئين بشمال شرق سوريا.. من أين ستأتي بها أنقرة؟


 مع وضع القوات التركية اللمسات النهائية لشن هجوم على شمال شرق سوريا فإن خطة أنقرة لإعادة توطين ملايين اللاجئين السوريين في الأراضي التي ستسيطر عليها هناك تثير قلق بعض الحلفاء الغربيين بنفس قدر القلق الذي تثيره العملية العسكرية.

ففي كلمته أمام زعماء العالم في الأمم المتحدة قبل أسبوعين رفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خريطة للمنطقة تبين مقترحات طموحة لبناء عشرات القرى والبلدات الجديدة لتوطين اللاجئين السوريين.

وتظهر خريطة أردوغان أنه سيتم تسكين مليون لاجئ سوري في شمال شرق سوريا لكنه أبلغ الجمعية العامة للأمم المتحدة أن مزيدا من اللاجئين، الذين سيصلون لنحو مليونين، يمكن أن يستوطنوا تلك المنطقة بمجرد استيلاء القوات التركية عليها.

وبالنسبة لتركيا، التي تستضيف لاجئين أكثر من أي دولة أخرى في العالم، أضحت إعادة بعض السوريين عبر الحدود تمثل أولوية قصوى مع كفاحها ضد ركود اقتصادي وارتفاع معدل البطالة.

ومعظم اللاجئين السوريين في تركيا، والذين يقدر عددهم بنحو 3.6 مليون، من السُنة القادمين من مناطق عربية في غرب البلاد وليس المناطق التي معظمها من الأكراد في شمال شرق سوريا.

وبالتالي فإن نقل أعداد هائلة من اللاجئين لمناطق تبعد مئات الأميال عن بيوتهم سينطوي على تغيير كبير في التركيبة السكانية.

ووصف مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية الخطة بأنها "ربما تكون أكثر شيء جنونا سمعت به على الإطلاق ".

وأثارت تقارير في يوليو تموز بشأن ترحيل بعض اللاجئين من اسطنبول قسرا قلقا بشأن أي عودة للاجئين على نطاق واسع.

وتقول تركيا إنها لم تعد أي سوريين رغما عنهم.

وقال وزير خارجية جمهورية التشيك توماس بيتريسيك، معبرا عن مخاوف أوروبية أوسع نطاقا، إنه يجب أن تتاح للاجئين السوريين العودة بشكل طوعي.

وأضاف "لا أعتقد، رغم ذلك، أنه يجب أن يعودوا بأي عملية عسكرية".

وقال دبلوماسي أوروبي إن الاتحاد الأوروبي، الذي دفع الجانب الأكبر من حزمة مساعدات بلغت ستة مليارات يورو لمساعدة تركيا على استضافة اللاجئين على أراضيها، سينظر بتشكك لأي طلب لتمويل مشروعات في داخل سوريا قبل التوصل إلى أي تسوية سياسية لإنهاء الصراع المستعر منذ ثماني سنوات.

وعبّرت أنقرة عن رفضها للمخاوف بشأن أثر إعادة اللاجئين من تركيا قائلة إن أي تغيير للتركيبة السكانية سيكون فقط لتصحيح تحركات القوات الكردية التي تسيطر حاليا على المنطقة.

وكتب المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالين على تويتر "تركيا... ليس لها مصلحة في الاحتلال أو تغيير التركيبة السكانية. حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب الكردية السورية قاما بذلك في شمال شرق سوريا. حان الوقت لتصحيح الوضع".

وبالنسبة لأنقرة فإن تدفق سوريين من غير الأكراد على شمال شرق سوريا سيساعدها في تأمين منطقة عازلة لمواجهة تهديد أمني رئيسي. وتعتبر تركيا مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية إرهابيين بسبب صلاتهم بمسلحين من الأكراد يشنون حركة تمرد داخل تركيا.

وتشهد مناطق أخرى في سوريا تغييرا جذريا في التركيبة السكانية مع تفريغ أحياء سُنية معارضة للنظام في حمص ودمشق من سكانها نتيجة للمعارك. كما تشهد قرى في شمال وغرب سوريا اتفاقات لإجلاء السكان السُنة والشيعة.

ارتفاع أسهم شركات الأسمنت

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال قبل ذهابه إلى الأمم المتحدة الشهر الماضي إن المنطقة التي ستخضع لسيطرة تركيا "ستسمح للاجئين عندنا بالعودة إلى أراضيهم وستسمح أيضا بتلبية كل متطلباتهم من تعليم وصحة ومأوى".

وقال لرويترز "ستسمح لهم بالعودة إلى أراضيهم (بدلا من ) مدن الخيام والحاويات".

وأوضح في وقت لاحق أن عدد السوريين العائدين قد يرتفع إلى ثلاثة ملايين إذا زاد التوغل التركي متجاوزا مساحة المنطقة الآمنة التي تخطط تركيا لإقامتها في شمال شرق سوريا بعمق 32 كيلومترا.

وشنت تركيا من قبل عمليتين عسكريتين في شمال غرب سوريا وتقول إنهما أظهرتها قدرتها على إعادة الخدمات والبنية التحتية للمناطق التي دمرتها الحرب.

وقال فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي يوم الثلاثاء "تأكدنا من توفر ظروف العيش الآدمي في المناطق الآمنة التي نقيمها وسنواصل القيام بذلك".

وأوضح أن تركيا وفرت الأمن والصحة والتعليم والمأوى والطرق والمياه والكهرباء مما يسمح بعودة 370 ألف لاجئ سوري.

ولم يذكر أردوغان تكلفة خططه لشمال شرق سوريا لكن محطة تي.آر.تي التلفزيونية الرسمية قالت إن التكلفة ستبلغ 151 مليار ليرة (27 مليار دولار).

وساهم الرقم وحجم مشروعات التشييد المحتملة في ارتفاع أسعار أسهم شركات الاسمنت التركية التي لها مصانع إنتاج قرب الحدود السورية.

وزاد سهما ماردين للأسمنت وأضنة للأسمنت لليوم الثاني على التوالي هذا الأسبوع بدعم توقعات فرص استثمارية في المنطقة.

وقال محلل بأحد شركات السمسرة التركية "الشراء ناجم عن التطورات في سوريا...وتوقعات التشييد في المنطقة".

وحدوث طفرة بناء على الحدود الجنوبية هو بالضبط ما يحتاجه الاقتصاد التركي من الناحية النظرية. وانزلق الاقتصاد التركي للركود في نهاية العام الماضي بعد سنوات من النمو الذي استفاد من رواج أعمال الإنشاءات الممولة بقروض رخيصة. وكانت شركات الإنشاءات من بين القطاعات الأشد تضررا من التراجع الاقتصادي.

أما مسألة مصدر الأموال التي ستمول مشروعات البناء، مع افتراض قدرة تركيا على السيطرة على شريط حدودي بعرض 500 كيلومتر، فهذه قضية أخرى.

وقال مصدر دبلوماسي أوروبي "عندما تنظر إلى طول الحدود وقول الأتراك إنهم يرغبون في إقامة منطقة آمنة على امتدادها...منزوعة السلاح وتحت سيطرة تركيا ثم وضع ثلاثة ملايين لاجئ هناك وحمل الأوروبيين على دفع 26 مليار دولار ، فهذا لن يحدث".

ترك تعليق

التعليق