تحت تأثير عملية "نبع السلام".. الاقتصاد التركي على صفيح ساخن


حالة من الترقب الحذر يعيشها الاقتصاد التركي في ظل التطورات السياسية والعسكرية المتعلقة بشرقي الفرات، وفي ظل التغريدات شديدة اللهجة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مهدداً فيها اقتصاد تركيا.

ومساء الإثنين، غرد ترامب على حسابه في "تويتر" قائلاً، إن "ما أكدت عليه بشدة سابقاً، وللتجديد فقط، سأدمر وأهدم الاقتصاد التركي، مثلما فعلت ذلك سابقاً، في حال فعلت تركيا أي شيء سأعتبره، انطلاقاً من حكمتي العظيمة والتي لا مثيل لها، متجاوزاً للحدود".

ومساء الثلاثاء، عاد ترامب للتغريد مجدداً في عالمه الأزرق وقال، إنه "من المعلوم أنه كان لدينا 50 جندياً في القسم السوري ولكنهم ذهبوا، وأي استخدام للقوة من الجانب التركي سوف يضر باقتصادهم، عملتهم هشة، نحن نساعد الأكراد بالمال والأسلحة".

ورافق تلك التهديدات التي تستهدف الاقتصاد التركي، سلسلة تغريدات أخرى متناقضة، فتارة يعلن ترامب أن تركيا عضو مهم في حلف الناتو وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيكون ضيفه في الـ 13 من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وتارة يهدد تركيا باقتصادها في حال تجاوزت ما لا ترغب به أمريكا.

وعلى اعتبار أن الليرة التركية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشارع السياسة وتطوراته ما بين تركيا والأطراف الدولية والأوروبية والغربية وبخاصة أمريكا، فإن أي تغيير في المواقف ينعكس بشكل سريع عليها، خاصة وأن أكثر ما يقلق الاقتصاد في تركيا هو تذبذب العملة وعدم استقرارها.

ومنذ مساء الإثنين، انخفضت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، إذ تخطى سعر صرفها عتبة 5.80 ليرة بعد أن كانت تسجل استقراراً نسبياً عند حدود 5.70 ليرة تركية مقابل الدولار.

وفي هذا الصدد قال المحلل السياسي التركي "هشام جوناي" لـ "اقتصاد"، إن "الليرة التركية تعيش حالة من الترقب لما ستؤول إليه الأمور في ظل العملية العسكرية التركية في الأراضي السورية".

وأضاف "جوناي" أن "الليرة التركية شهدت قبل ذلك تراجع بقيمتها أمام الدولار والعملات الأخرى، جراء الأزمة السياسية التي حصلت بينها وبين الولايات المتحدة العام الماضي، بسبب قضية القس الأمريكي برانسون".

وتابع أنه "بعد حلّ تلك الأزمة وإطلاق سراح برانسون، فإن العملة التركية لم تعد إلى سابق عهدها من القيمة بل بقيت على نفس القيمة التي وصلت إليها بعد أزمة القس برانسون".

ورأى "جوناي" أن "تعافي الاقتصاد التركي مرتبط تماماً بالوضع السياسي المستقر، لأن الاستثمار الأجنبي والمحلي أيضاً يبحث عن بيئة مستقرة، لأنه في السنوات الأخيرة في تركيا بعد محاولة الانقلاب ووصولاً إلى العمليات العسكرية في درع الفرات وغصن الزيتون شمالي سوريا، ووصولاً إلى العملية الأخيرة، لم تعد تركيا مركز جذب للمستثمرين، وهذا أيضاً ينعكس على أرقام التضخم وغلاء الأسعار والمعيشة في البلاد".

وفيما يتعلق بتهديدات الرئيس الأمريكي للاقتصاد التركي، رأى "جوناي"، أن "تلك التهديدات زادت من الطين بلة، ولكن أعتقد أمريكا دولة مؤسسات، ولا ننسى أن الرئيس الأمريكي صرح وهدد أكثر من مرة تركيا، ولكن هناك اتفاقيات دولية تحد من صلاحيات الرئيس الأمريكي الذي أيضاً هو بشخصه يعاني من مرحلة إجراءات عزله، وأعتقد أنه يعول كثيراً على هذا الموضوع في إقناع الرأي العام الأمريكي، بأنه رئيس قوي يبحث عن مصالح أمريكا".

وفيما يتعلق بمستقبل الليرة التركية، قال "جوناي" أنه "لا أحد يستطيع أن يتوقع أي مستقبل لها في هذا الجو الضبابي، خاصة أن المواقف تتغير يوماً بعد يوم"، مؤكداً أن "تهاوي الليرة التركية مستمر وسيزيد من ذلك استمرار تركيا في العملية العسكرية شرقي الفرات".

وفي وقت يتحدث فيه مسؤولون أتراك عن قوة الاقتصاد التركي وعن المساعي التي تطمح لها تركيا في أن يكون الاقتصاد التركي من أقوى وأهم الاقتصادات في العام 2023 وفق رؤيتها التي تعمل عليها في عدد من المجالات والقطاعات، يرى الباحث في "مركز دراسات الشرق الأوسط - أورسام" في أنقرة، الدكتور "سمير العبد الله"، أن ما يجري من تطورات على صعيد تهديدات ترامب أو العملية العسكرية شرقي الفرات، ستلقي بظلالها على الاقتصاد التركي.

وقال "العبد الله" في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد"، إن "تصريحات ترامب تركت أثرت على الليرة التركية، حيث انخفضت بأكثر من 2% بعد تهديده بتدمير الاقتصاد التركي في حال القيام بعمليات عسكرية في سوريا حيث تجاوزت 5.8، وهو أدنى مستوى لها في أكثر من شهر مقابل الدولار".
وأضاف: "لكن بعد تغريدة أخرى لترامب أوضح بها أن تركيا من أهم الشركاء التجاريين لأمريكا وهي عضو بحلف الناتو، وأنه سيستقبل أردوغان في 13 تشرين الثاني المقبل، بدأت الليرة التركية بالتحسن".

وأشار "العبد الله" إلى أن "ترامب يتصرف بعقلية التاجر، وهذه العقلية المتناقضة، وخاصة في ظل المشاكل الداخلية التي يعاني منها، سيكون لها أثر على السياسة الأمريكية الخارجية، وستكون السوق التركية في الأيام المقبلة في حالة ترقب للتطورات العسكرية والسياسية، حيث سيكون للعمليات العسكرية التي تنوي تركيا تنفيذها شرق الفرات تأثير على الاقتصاد التركي بشكل كبير".

وختم بالقول إن "المستثمرين سيراقبون عن كثب العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وخاصة مع وجود خلاف بين الدولتين حول مجموعة من القضايا الأخرى غير التدخل التركي في شرق الفرات، بما في ذلك شراء تركيا لنظام دفاع صاروخي روسي، وقضية طائرات F35".

ووسط تلك التحليلات وحالة الترقب التي يعيشها الاقتصاد التركي، يبقى السؤال الأبرز بعد أن انطلقت العملية العسكرية التركية شرقي الفرات والتي حملت اسم "نبع السلام"، رغم التباين في المواقف الأمريكية منها، هل ستكون تلك العملية "نبع سلام وحنان" على الاقتصاد التركي؟، أم أنه سيكون لها تبعات تُنبئ بتوقف عجلة الاقتصاد التركي لحين الانتهاء من العملية والتي ربما تستغرق أسابيع وشهوراً؟

ترك تعليق

التعليق