أسواق درعا لم تعد مطلباً للمستهلك الأردني.. لماذا؟


لم تعد الأسواق السورية بشكل عام، وأسواق محافظة درعا بشكل خاص، مطلباً ملحاً لآلاف الأردنيين، الذين كانوا يقصدونها بكل يسر وسهولة عبر معبر نصيب الحدودي طلباً للتسوق، وذلك بسبب القرارات المتلاحقة والإجراءات المعقدة، التي أصدرتها حكومتا البلدين، والتي قيدت إلى حد كبير عمليات التبادل التجاري، وحركة المرور عبر المركز الحدودي، الذي أعيد افتتاحه بالاتجاهين، في الخامس عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر في العام 2018.

الخوف وراء تراجع أعداد الأردنيين القادمين
 
وأكد سكان محليون، وشهود عيان، أن المواطنين الأردنيين، الذين كانوا يدخلون بالمئات يومياً إلى أسواق درعا، والمحافظات المجاورة، بقصد السياحة والتسوق، تراجعت أعدادهم بشكل كبير، وذلك بسبب القيود المفروضة على بعض البضائع والمواد الاستهلاكية، وتخوفهم من الملاحقات الأمنية، التي باتوا يتعرضون لها من أجهزة أمن النظام، أسوة بأشقائهم من السكان المحليين.

وأوضحت مصادر مطلعة، أن أجهزة أمن النظام، اعتقلت منذ افتتاح المركز الحدودي عشرات الأردنيين، منهم من أطلقت سراحه تحت ضغوط معينة، ومنهم ما زال حبيساً في معتقلات النظام.

وأضافت المصادر، أن العديد من القادمين الأردنيين عبر المركز الحدودي، تعرضوا في أحيان كثيرة لأعمال خطف وابتزاز، على أيدي قطعان الشبيحة، والمرتزقة، الذين يسيطرون على طرق المرور الرئيسية، بدءاً من المركز الحدودي، وصولاً إلى العاصمة دمشق.

وقالت أحد المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها: "فيما يتعلق بدخول السوريين إلى الأردن، عبر المركز، فهذا شبه معدوم لأنه مرهون بموافقات أمنية أردنية مسبقة، من الصعوبة بمكان الحصول عليها، حتى لو توفرت جميع الأسباب الموجبة لذلك".

وحول وجود المستهلك الأردني في أسواق المحافظة

يقول "أبو سعيد"، 65 عاماً، وهو تاجر من درعا، إن عدد الزوار الأردنيين القادمين إلى أسواق درعا تراجع بشكل ملحوظ، موضحاً أن سياراتهم التي كانت تشاهد في كل مكان من أسواق المدينة، لم تعد تشاهد كما في السابق.
 
وأضاف أن الزوار الأردنيين، أسهموا في انتعاش أسواق المحافظة فقط في الأشهر الأولى لفتح مركز نصيب الحدودي، حيث كانوا يتسوقون كميات كبيرة من البضائع، لا سّيما زيت الزيتون، والسجائر، والخضار، والفواكه والألبسة والحلويات، والجميد "الكثي" ومشتقات الألبان، واللحوم، مستفيدين من أسعارها الرخيصة، مقارنة بأسعارها المرتفعة في بلادهم.

وأكد أن وجود المستهلك الأردني في أسواق المحافظة بات قليلاً، مشيراً إلى أن ما يطلق عليهم اسم "البحارة" باتوا ينتظرون وقتاً طويلاً على الحدود ريثما يتم السماح بمرورهم.

قرارات تعيق التبادل التجاري بين البلدين
 
وكان الأردن قد قرر حظر استيراد 194 سلعة من سوريا، اعتباراً من أول أيار/مايو أيار الماضي، وتم الطلب من القطاعين التجاري والصناعي، بعدم توريد أي من تلك السلع إلى الأسواق الأردنية.
 
وبحسب القرار الذي أصدره وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني طارق الحموري، وعممه على القطاعين التجاري والصناعي، وتناقلته العديد من المواقع الإخبارية في حينه، فقد شمل المنع سلعاً سورية مصنعة، وذلك في إطار عملية تنظيم حركة التبادل، بين الأردن وسوريا، فيما يخص السلع الصناعية.

وكانت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" قد نقلت عن الحموري قوله إن "قرار حظر استيراد بعض السلع من سورية، هو قرار وطني بحت ولا إملاءات على الأردن بهذا الشأن إطلاقاً".

وأضاف الحموري في حينها، أن "القرار اتخذ لمصالح الأردن الاقتصادية، وفي إطار تطبيق المعاملة بالمثل"، مؤكداً أن الحكومة الأردنية وفي حال اتخذ الجانب السوري قراراً برفع القيود عن السلع الأردنية المصدرة إليه، ستتخذ قراراً مماثلاً في الوقت ذاته، برفع القيود عن السلع السورية.
 
ومن بين السلع السورية التي منع القرار الأردني استيرادها، الشاي، والزيت، وبعض المصنعات الغذائية، مثل لحوم الدواجن، والأسماك، واللحوم، وحيوانات بحرية مختلفة، وأصناف من البقوليات، والخبز، وخضار مثل البطاطا، والبندورة والفواكه، والعصائر وغيرها.

كما أصدرت الحكومة الأردنية قراراً، يحدد آلية الاستيراد من سوريا للسلع المسموح بإدخالها إلى الأردن، بموجب رخص وموافقات خاصة، تصدر مسبقاً لأي تاجر، يرغب بتوريد السلع السورية إلى الأسواق الأردنية.

سبق ذلك دعوات من فعاليات اقتصادية أردنية، دعت إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على البضائع السورية الموردة للأردن، بسبب إعاقة سلطات النظام السوري دخول السلع الأردنية إلى أراضيها.

وأكدت مصادر أردنية أن الصادرات الأردنية إلى سوريا، تراجعت منذ فتح معبر نصيب – جابر الحدودي بنسبة 70 في المئة.
 
انتظار طويل وخيبة أمل
 
مراقبون أشاروا، إلى أن افتتاح المركز الحدودي، الذي عُلّقت عليه آمال عريضة، في إنعاش اقتصاد البلدين، وتحسين الظروف المعيشية لآلاف الأسر السورية والأردنية، على طرفي الحدود، خيّب الآمال بشكل كبير.

ولفتوا إلى أن فرحة الافتتاح، التي جاءت بعد انتظار طويل، لم تدم طويلاً، لأن نشاط المركز قيدته صعوبات كبيرة، إضافة إلى أنه لم يحقق أي إنجاز اقتصادي يذكر، لصالح شعبي البلدين بشكل عام، ولبعض الأسر، التي كان يجب أن تنتفع من خدماته بشكل خاص، والمقصود هنا صغار التجار، والمزارعين، وسائقي وسائط النقل، ومقدمي الخدمات.

وكان ما يطلق عليهم اسم "البحارة" في الأردن، وهم الشريحة الأكثر استفادة من فتح المركز الحدودي بين سوريا والأردن، قد مارسوا ضغوطاً كبيرة على حكومة بلادهم في الأشهر الثلاثة الماضية، من أجل التخفيف من القيود المفروضة على المسافرين، وتسهيل إجراءات العبور إلى سوريا، لضمان استمرار أنشطتهم التجارية، ومصادر دخلهم، حيث تكللت جهودهم بالنجاح.

و"البحارة" هم سائقو سيارات أجرة بين الحدود يحملون بضائع لبيعها في الدول التي يدخلون إليها.

وقالت مصادر أردنية حينها، إن الضغوط التي مارستها شريحة "البحارة" على حكومة الأردن، أسفرت عن التوصل إلى تفاهمات، بين السلطات الأردنية والمحتجين، سُمح بموجبها بمرور نحو 500 من البحارة، كانوا ممنوعين من التنقل عبر معبر نصيب _ جابر الحدودي إلى داخل الأراضي السورية، مع تعهد البحارة بالالتزام بعدم تهريب الدخان، والسلاح، والمخدرات، والسماح لهم بإدخال باقي السلع ضمن الكميات المحددة.
 
إلى ذلك، أشار الناشط "محمد الدرعاوي" إلى تراجع ملحوظ لمرور البرادات وشاحنات نقل البضائع عبر مركز "نصيب"، واقتصار عمليات المرور على سيارات المسافرين ولاسيما القادمين من دول الخليج، لافتاً إلى أن المستفيد الأبرز من نشاط المركز هو النظام، الذي بات يستقبل عبره أسبوعياً عشرات الأسر التي كانت هاربة من جحيم الحرب في البلاد.

وأضاف أن هذه الأسر بدأت تعود إلى ديارها، بعد أن تقطعت بها السبل، بسبب ظروف اللجوء السيئة، التي تحملتها على مضض، في ظل محدودية الخيارات المتاحة، والتي كان أحلاها مرّ، كما أفاد بعض العائدين.

ترك تعليق

التعليق