كيف يقرأ المستثمرون العرب تأثير "نبع السلام" على نشاطاتهم في تركيا؟


ماتزال حالة عدم الاستقرار تلقي بظلالها على سعر صرف الليرة التركية مقابل العملات الصعبة وخاصة الدولار الأمريكي، إذ ما زالت تراوح مكانها بين 5.85 و5.88 وسط توقعات في أن تصل إلى عتبة الـ 6 ليرات مقابل دولار واحد.

ومما زاد من حجم التحديات التي تواجهها الليرة التركية واقتصادها بشكل عام هو إصرار تركيا على الانطلاق بالعملية العسكرية "نبع السلام"، شرقي الفرات.

ووسط تلك التطورات العسكرية والتي ينعكس صداها على التطورات الاقتصادية في تركيا خصوصاً، يطفو على السطح سؤال رئيس حول رأي المستثمرين ورجال الأعمال العرب الذين يتخذون من تركيا عموماً، وإسطنبول خصوصاً، مركزاً لأنشطتهم التجارية والصناعية وغيرها.

وللوقوف حول أبعاد وانعكاسات ذلك، رصدنا في "اقتصاد" آراء بعض المستثمرين ورجال الأعمال العرب، فيما يخص المخاوف التي تنتابهم في ظل الوضع الاقتصادي غير المستقر بسبب تقلب سعر الصرف بالنسبة لليرة التركية.

رجل الأعمال اللبناني "محي الدين داغستاني" والذي يعمل في مجال التسويق العقاري قال لـ "اقتصاد": "أنا شخصياً أسكن وأعمل في تركيا منذ 30 سنة، وطوال هذه السنين واجهتنا تهديدات وأزمات مماثلة، حتى أن البلاد مرّت بأزمات وتهديدات أكبر وأعقد من الحالية، وكانت كلها تنتهي بالفشل".

وأضاف "داغستاني": "رغم تأثير التهديدات بتدمير الاقتصاد التركي في البلاد، إلا أنها لن تفلح بإذن الله"، في إشارة لتهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بفرض عقوبات قاسية على الاقتصاد التركي.

ووسط التطمينات من مسؤولين واقتصاديين أتراك، فيما يتعلق بقوة الاقتصاد التركي وأنه يزداد قوة، وأن الهدف الأكبر الوصول إلى أن يكون الاقتصاد التركي ضمن أقوى 10 اقتصادات في العالم ضمن رؤية السلطات التركية للعام 2023، إلا أن بعض رجال الأعمال أكدوا أن أكثر ما يهمهم في هذه الفترة، هو استقرار سعر صرف الدولار أو سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار.

وفي هذا السياق، قال رجل الأعمال اللبناني "ساري سبسبي"، والذي يعمل في مجال استيراد مواد التجميل والمكياج وتوزيعها داخل تركيا من خلال وكلاء في مختلف المحافظات، إنه "منذ العام 2009 ونحن نتخبط مع موضوع الدولار والأزمة الاقتصادية، يقابل ذلك ركود في الأشغال والأعمال".

وأضاف "سبسبي" في حديثه لـ "اقتصاد" أن أبرز ما يعاني منه هو "صعوبة في البيع وصعوبة بالغة في مسألة تحصيل المبالغ المالية"، مرجعاً السبب إلى أن كثيراً من الأشخاص بدأت لا تدفع ما يترتب عليها من مستحقات مالية، والبعض الآخر بات يشكو من "الإفلاس".

وأكد أنه تتم معاملتهم في مختلف الإجراءات القانونية والثبوتيات في الدوائر الحكومية، مثلهم مثل المواطن التركي، إلا أن طلبهم الوحيد هو أن "يستقر سعر صرف الدولار حتى يتسنى لنا تسهيل عملية البيع والشراء".

موضوع التطمينات الاقتصادية التي دائماً ما يطلقها مسؤولو الاقتصاد في الحكومة التركية، أبقت الثقة الكبيرة لدى بعض رجال الأعمال والمستثمرين، ومنهم رجل الأعمال الأردني "حذيفة أبو السكر"، وهو عضو مجلس العلاقات الخارجية وممثل جمعية رجال الأعمال الأتراك (موصياد) في الأردن.

إذ قال "أبو السكر" في حديثه لـ "اقتصاد": "حقيقة جربنا الاستثمار في تركيا بمراحل مختلفة وبظروف متعددة وهذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها ترامب تركيا، وليست المرة الأولى التي تخوض تركيا عملية عسكرية خارج الحدود، فقد كان ذلك لمرتين قبل الآن".

وأضاف أن "الاقتصاد التركي مثل أي اقتصاد من اقتصاديات السوق الحر يتأثر بالأحداث السياسية والتقلبات الإقليمية ومضاربات الأسواق، لكن قوة الاقتصاد تظهر في مقاومته للهزات العنيفة وقدرته على تجاوز هذه التهديدات".

وتابع "أبو السكر" بالقول: "لذلك نرى أن تهديدات ترامب والعملية العسكرية في سوريا لها أثرها بطبيعة الحال، لكن قوة وتماسك الاقتصاد التركي على مدى السنوات الماضية، وإجراءات الدولة الداعمة للاقتصاد تجعلنا مطمئنين من ديمومة الاستثمار وتطوره مستقبلاً".

وأضاف: "أعتقد بأن السوق التركي من الأسواق الواعدة والتي أثبتت تماسكها وصلابة نموها بشكل واضح خلال السنوات الماضية".

وفي ختام حديثه وجّه بعض النصائح للمستثمرين العرب في تركيا وقال: "هنا أشير إلى نصيحتين للمستثمرين العرب في تركيا، بأنه لا بد من الاندماج بشكل أكبر في السوق التركي عن طريق شراكات واتفاقات مع رجال أعمال أتراك، ليساعد أكثر على جني ثمار الاستثمار في السوق المحلي التركي، كما وأن تنويع الاستثمارات بأشكال وأماكن مختلفة له أثر مهم في زيادة فرص النمو وتقليل المخاطر وتعزيز استثمارات المستثمر نفسه".

وأعرب بعض المستثمرين عن تفاؤلهم بأن مستقبل الاستثمار سيكون أفضل في تركيا، وأن إنهاء المشاكل الأمنية والعسكرية سيجعل الدولة والحكومة تتفرغ لعجلة اقتصادها وتشجيع مجالات الاستثمار، وفق ما أشار له المحامي "مجد طباع".

وقال "طباع"، وهو محام لإحدى كبرى شركات التأمين في تركيا، إن "الليرة التركية تراجعت في هذه الفترة بقيمة 1.3 من قيمتها الحقيقية من قوة الشراء بسبب التصريحات الأخيرة لترامب".

وأضاف في حديثه لـ "اقتصاد" أن "اللافت للانتباه أن الليرة لم تتحسن بعد الفيتو الأمريكي الروسي على مشروع القرار لإيقاف عملية نبع السلام، إضافة لمباركة غير مباشرة من الأمين العام للناتو للعملية العسكرية التركية".

إلا أن "طباع" أبدى كثيراً من التفاؤل بعجلة الاقتصاد التركي وقال: "أتوقع أن الاقتصاد التركي اقتصاد قوي، والإدارة التركية ممثلة بالرئيس رجب طيب أردوغان تتوقع هذا الارتفاع وهي قادرة على استيعاب الأمور، وبالتالي حتى لو وصلت الليرة لأكثر من 6 ليرات مقابل الدولار، فحتماً سيكون هناك آلية سوف يلجأ إليها البنك المركزي في مواجهة ذلك".
 
ويبقى شارع الاقتصاد والاستثمار التركي في حالة ترقب حذر لما ستؤول إليه الأحوال في المستقبل القريب، على أمل أن تعاود الليرة التركية انخفاضها كما حصل قبل عدة أشهر عندما وصلت لحدود 7 ليرات مقابل الدولار الواحد، ومن ثم عاودت انخفاضها بشكل تدريجي، الأمر الذي أعطى نوعاً من الارتياح للمستثمرين ورجال الأعمال.

ترك تعليق

التعليق