في تقرير موسّع.. كيف أثّرت "نبع السلام"، اقتصادياً، في الحسكة والرقة؟


ارتفعت أجور المنازل والأسعار في مدينتي الحسكة والرقة نتيجة موجة النزوح الأخيرة جراء المعارك في منطقتي تل أبيض ورأس العين قرب الحدود التركية ضمن عملية "نبع السلام" العسكرية التركية. فيما توقفت عمليات جني القطن وبيع وشراء المواشي في مناطق العمليات العسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية، كبرى فصائل "قوات سوريا الديمقراطية - (قسد)".

أجور المنازل بالرقة والحسكة

كان تأثير نزوح عشرات آلاف المدنيين نحو مدينة الحسكة أكثر منه على الرقة نظراً إلى الفرق بعدد السكان. فسكان رأس العين (أكثر من 40 ألف نسمة) يبلغ ثلاثة أضعاف منطقة تل أبيض (15 ألف نسمة)، وهذا يفسر سهولة السيطرة على المدينة الأخيرة من جهة، ومحدودية موجة النزوح منها والتي اتجهت إلى الرقة، من جهة أخرى، خاصة أن بعض النازحين عاد إلى المدينة اليوم وأمس، بعد توسع سيطرة "الجيش الوطني" بدعم تركي، لتشمل كامل الريف الشرقي إلى مشارف مدينة رأس العين، وغرباً إلى مشارف عين عيسى.

وأكد الدكتور فراس ممدوح الفهد، وهو ناشط إغاثي في مدينة الرقة، أن عشرات الأطباء في المدينة يقدمون العلاج المجاني تطوعاً لخدمة النازحين من المناطق الشمالية، مشيراً إلى عدم الحاجة لفتح المدارس لإيواء النازحين لأن أبواب كل المدنيين بمدينة الرقة وريفها فُتحت لهم، حسب وصفه.

وقال إنهم في منظمة "صناع الأمل" الإنسانية، في حي الفردوس بالرقة، استقبلوا النازحين المرضى مجاناً في مركزهم الطبي، كما فعلت الكثير من المنظمات الإنسانية حين فتحت أبوابها وخصصت مراكز طبية عاجلة لاستقبال المرضى.

وظهرت مبادرة أهلية تسمى "شارك" داخل المدينة تهدف لتقديم المساعدة للنازحين، غير مدعومة من أي جهة محلية أو دولية، تعتمد على نشطاء ومتطوعين محليين من أهالي الرقة.

وبدوره، قال "أبو عمار"، من أهالي حي الرميلة بمدينة الرقة، إن أجور المنازل ارتفعت بسبب النزوح من تل أبيض ونواحيها إلى المدينة، لتصل إلى نحو 10 آلاف ليرة سورية، خاصة أن المنطقة تحوي نازحين بالأصل والطلب كبير على المساكن.

وتُعتبر منازل الإيجار قليلة بالرقة والحسكة، في الوقت الذي قدّرت فيه الإدارة الذاتية "الكردية" أعداد النازحين بنحو 170 ألفاً، خلال الموجة الأخيرة، وهذا رقم يفوق عدد سكان مدينتي تل أبيض ورأس العين مع القرى التي شهدت مواجهات وقصف، وهذا يعني أن النزوح شمل مناطق أخرى، حدودية، إن صحت الأرقام التي أعلنتها الإدارة "الكردية".

وأشار المصدر إلى أن سعر صرف الدولار غير المستقر رفع أسعار المواد الغذائية في الرقة، كما أدت حركة النزوح إلى رفع سعر اسطوانة الغاز المنزلي من 5500 ليرة إلى 7500 ليرة. لكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بقي ضمن نطاق الارتفاع المألوف، الذي سبق أن شهدته مدينة الرقة جراء ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي.

وحسب حملة "الرقة تذبح بصمت"، فالحل الذي طرحه مجلس الرقة بتحويل بعض المدارس لمراكز إيواء غير ممكن، لأن أغلب مدارس المدينة غير صالحة ومدمرة تدميراً جزئياً أو كلياً، بسبب العمليات العسكرية التي شهدتها المدينة أثناء معركة الرقة عام 2017.

أما في الحسكة، حيث كانت موجة النزوح أكبر، توجه معظم النازحين إلى مركز المحافظة، ما أدى إلى ارتفاع إيجارات البيوت بشكل كبير حتى أمست بعض المنازل تؤجر بسعر يتراوح ما بين 100 – 150 ألف ليرة، بحجة أنها مفروشة أو قريبة من وسط المدينة، وفق الناشط عبد الملك العلي.

وفي حي المفتي شرقي المدينة على ضفاف نهر جقجق، طلب بعض أصحاب البيوت 110 آلاف ليرة للمنازل المفروشة وأمسى سعر 80 ألف ليرة، شائعاً، حسب الناشط.

وقال العلي إن المنظمات والجمعيات وزعت عشرات العائلات على كل مدرسة ومنها: تجمع مدارس حي المعيشية، والمعيشية المحدثة، واسكندر فرج، وفواز جولي، وحليمة السعدية، وسعد بن أبي وقاص، وأبلحد موسى، ونزار قباني، وفلك حواس، وغيرها.

أسعار المواد الغذائية وشح المياه

وبدأت تظهر تأثيرات الحرب في منطقة بعيدة عن مواقع العمليات العسكرية (في رأس العين وتل أبيض)، حيث شهدت مناطق في شمال دير الزور ندرة في توافر بعض المواد الغذائية وتحديداً مادة السكر، نتيجة شراء تجار محسوبين على الإدارة الذاتية الكردية مادة السكر من معظم المخازن الموجودة في المنطقة مع احتمالية حدوث نقص بالمادة مع سيطرة قوات "الجيش الوطني السوري" على طريق حلب الدولي، الأمر الذي دفع بعض التجار لإخفاء المواد الغذائية في الحسكة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، فارتفع السكر من 350 ل.س إلى 500 ل.س والزيت من 2700 ل.س/4 لتر إلى 3000 ل.س /4 لتر.

وبالعودة إلى مدينة الحسكة، حاولت جميعات خيرية تخفيف وطأة الأمر عن النازحين، فقدمت مساعدات غذائية ومواد تنظيف وبعض الأدوية الضرورية مقدمة من الهلال الأحمر "الكردي"، إلى جانب أغطية واسفنج، وتوزيع الخبز ووجبات جاهزة، في مراكز الإيواء بالمدارس.

كما استقبلت الأقسام الطبية التابعة لبعض الجمعيات الخيرية، مرضى، فيما حولت الحالات المرضية الحرجة إلى المشفى الوطني بحي العزيزية أو مشفى الحكمة وسط المدينة.

وأثّرت أزمة المياه الشحيحة بشكل كبير على النازحين حتى عاد بعضهم أدراجه إلى قرى نزح منها شرق مدينة رأس العين رغم عدم استقرارها، فيما عاد سكان قرى الريف الغربي للمدينة بعد إحكام "الجيش الوطني" السيطرة عليها. وتخضع أحياء مدينة الحسكة بالأصل لنظام تقنين قاسٍ يخصص فيه يوم واحد فقط أسبوعياً، لكل حي، للحصول على الماء من الشبكة العامة، وغالباً هي مياه لا تصلح للشرب بسب رائحتها النتنة ولونها الأصفر، وينتظر الأهالي حتى الصباح لتعبئة الخزانات.

وتحاول بعض الجمعيات الخيرية توزيع المياه عبر صهاريج لتعبئة الخزانات المخصصة للنازحين فيها، أو تخصيص آبار ومناهل في المدينة لتوزيع المياه، في حين تباع زجاجة ماء معقم (لتر وربع) بـ 250 ل.س. ويشتري سكان الأحياء بالمدينة من صهاريج بيع المياه خزانات سعة 5 براميل، بسعر 3000 ل.س.

توقف عمليات قطاف القطن

أحد مظاهر التأثير الاقتصادي لمعركة رأس العين وتل أبيض على السكان، هو توقف عمليات قطاف محصول القطن في المنطقتين، وهما أهم مناطق زراعته المستقرة كونه يحتاج لأراض خصبة ومياه وفيرة.

وقد عاد المئات من أهالي ريف دير الزور الشمالي ومنطقتي الشدادي والعريشة جنوب الحسكة، ممن كانوا يعملون بمجال الزراعة (قطف القطن والرعي وزراعة الموسم الشتوي)، في المناطق الحدودية، والتي تشهد معارك ضارية بين الجيش التركي و"الجيش الوطني" من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى.

وعادت معظم العائلات العاملة بجني القطن ضمن ورشات "حواش القطن" شمال الحسكة، إلى مناطقها، وتركوا أمتعتهم خلفهم بعد توقف عمليات القطاف تماماً في منتصف الموسم، الذي كان قد بدأ في مطلع أيلول/سبتمبر الماضي.

كما ساهم تراجع عمليات بيع وشراء الأغنام في انخفاض أسعارها بشكل ملحوظ وكبير، نتيجة الحرب وإغلاق الطرقات نحو العراق والمناطق الأخرى.

ويوم الأربعاء، وصلت قافلة معونات من "كردستان العراق" مُقدّمة من جمعية برزان الخيرية، عبارة عن 24 قاطرة كبيرة، وصلت إلى صوامع الحسكة، ومن ثم تم توزيعها على النازحين الذين تمت استضافتهم في المدارس.

ترك تعليق

التعليق