من معتقلات النظام إلى أفضل 20 أكاديمياً في ألمانيا.. قصة "محمد العيسى" وجمعية "مالك"


نجا الطالب "محمد العيسى" من معتقلات النظام، وتحول إلى باحث في الجامعات الألمانية، ليتم تكريمه من قبل وزارة الهجرة في ولاية هيسن الألمانية، العام الماضي، كواحد من أفضل 20 أكاديمياً من أصول أجنبية في الولاية الواقعة -جنوب غرب ووسط البلاد-، وذلك عن أبحاثه في مجال علاج السرطان الإشعاعي.

 وأنشأ العيسى جمعية حملت اسم شقيقه الشهيد "مالك"، وتهدف لدعم الطلاب الأجانب في ألمانيا وخصوصاً منهم اللاجئون السوريون، ومساعدتهم في توسيع خبرتهم الأكاديمية و المهنية، والتغلب على الصعوبات التي تعترض طريقهم.


نشأ العيسى في "بصرى الشام" بريف درعا، ودرس في مدارسها, لينتقل بعدها إلى جامعة دمشق حيث درس الفيزياء, وتخرج منها عام 2008, ليبدأ مرحلة جديدة من حياته وهي دراسة الماجستير في الوقاية الإشعاعية وأمان المصادر المشعة وأمنها، وهو ماجستير مشترك بين جامعة دمشق وهيئة الطاقة الذرية التي عمل بها أيضاً خلال تحضيره للماجستير. وكانت أطروحته بعنوان (تقدير التأثيرات الإشعاعية والبيئية لمنشأة تخلص من النفايات المشعة في صناعة النفط والغاز). وبموازاة ذلك شارك بدورة في المجر بترشيح من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ببحث حمل عنوان "المقاييس الإشعاعية المحمولة".

بعد اندلاع الثورة، انقطع عيسى عن العمل والدراسة وتعرض لتجربة اعتقال بتاريخ 10 نيسان/أبريل 2013 لـمدة 46 يوماً في الأمن العسكري بتهمة دعم الثورة-كما يقول لـ"اقتصاد"- مضيفاً أن دورية من الأمن العسكري اقتحمت منزله في "بصرى الشام" واعتقلته ليتنقل بين عدة فروع أمنية قبل أن يودع في سجن عدرا ويفرج عنه بعد شهر ونصف. وتم فصله من عمله والتضييق عليه، فقرر السفر إلى الأردن، وارتبط يوم انتقاله إلى الأردن بذكرى أليمة حيث استشهد شقيقه "مالك العيسى" الذي كان يدرس الهندسة المعمارية في السنة الأخيرة، أثناء قتاله مع الجيش الحر.

بعد فترة بسيطة من مكوثه في الأردن انتقل الطالب الشاب إلى ألمانيا بفيزا دراسية ليحقق طموحه في متابعة الدكتوراه, وكانت البداية –كما يقول- صعبة في الحصول على قبول الدكتوراه وحتى بعد أن أتقن اللغة الألمانية التي لا تقل صعوبة عن القبول, وخصوصاً أن اختصاصه دقيق جداً ومن الصعب قبول الطالب فيه إن لم يكن خريج إحدى الجامعات الألمانية, فقرر دراسة الماجستير من جديد بعد أن عمل لمدة عام كامل في مطعم للشاورما من أجل تمويل حياته, ودراسته اللاحقة في جامعة وسط هيسن التقنية.


ومع بداية دراسة الدكتوراه قدم على منحة جديدة من وزارة العلوم والثقافة كطالب دكتوراه فحصل عليها، وتم تكريمه من قبل رئيس جامعته ضمن حفل موسيقي وحضور عدد كبير من الطلبة في مدينة "فيسبادن"، وحصل تالياً على منحة للاجئين التي تمنح لأصحاب الكفاءات العالية-كما يقول- كما حصل في السنة التالية على منحة كاملة من حزب اليسار الألماني (منظمة روزا لوكسمبورغ السياسية) لمدة 3 سنوات تحت اسم "منحة المتميزين" في ألمانيا وتم تكريمه كواحد من أفضل 20 أكاديمياً من أصول أجنبية في ولاية غسن، ونال شهادة من وزير الشؤون الاجتماعية والاندماج ضمن حفل كبير في "قصر بيبرش" في عاصمة الولاية، بالإضافة لنشر كتاب صادر عن الوزارة كتكريم لكل الشخصيات يذكر فيه إنجازات كل شخص ممن تم تكريمهم.

 وخلال الأعوام 2016 وحتى 2018 شارك الباحث الشاب في عدد من المؤتمرات العالمية كمحاضر ومنها المؤتمر العالمي للفيزياء الطبية والذي أقيم في براغ عاصمة التشيك، والمؤتمر الأوروبي للفيزياء الطبية الذي أقيم في كوبنهاغن عاصمة الدانمارك وغيرها من المؤتمرات التي أُقيمت في ألمانيا.

خلال بحثه للحصول على منحة، الذي امتد لأكثر من سنتين، عاين عيسى كل الصعوبات وجرب كل المراحل التي يمكن للطالب أن يمر بها من القبول واللغة والمشاكل التي يمكن أن تعترضه في الجامعة ومشاكل التأقلم، فقرر أن ينشىء جمعية بدأت فكرتها بنصائح لزملائه الطلاب على "فيسبوك" بخصوص العقبات التي تعترضهم في حياتهم الدراسية. وأردف أنه كان يفكر بالتطوع بجمعية أو منظمة تساعد الطلاب فعرضت عليه زميلة بأن يؤسسا معاً جمعية تُعنى بهذه الجوانب اختار أن يكون اسمها جمعية "مالك" تيمناً باسم شقيقه الذي استشهد في حلب منذ سنوات.


 وتتولى جمعية "مالك" تنظيم محاضرات للطلاب الأجانب في ألمانيا حول المنح المتوفرة في البلاد وكيفية الحصول عليها، ويتم تبني طلاب والتقدم بمنح لهم، وعدد جيد منهم -كما يؤكد-حصلوا بالفعل على منح وبعضهم حصلوا على مقاعد قبولات وبخاصة في كليات الطب التي تشترط شروطاً تختلف عن الكليات الأخرى وأغلب هؤلاء الطلاب سوريون في ألمانيا.

 وتهتم الجمعية أيضاً بحل مشاكل الطلاب في السكن مثلاً أو ممن لديهم مشاكل مع جامعاتهم وخصوصاً في المنطقة التي يقيم فيها،-حسب قوله- مشيراً إلى أن الجمعية تحاول حالياً التواصل مع الجهات العلمية من مؤسسات ومعاهد علمية إضافة إلى جامعة غيسن بهذا الخصوص.

 وكشف محدثنا أن لديه مشروعاً يتم التحضير له حالياً وهو دعم تعليم الفتيات بالاختصاصات التقنية العلمية كالفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية والمعلوماتية.


وحول أبرز الصعوبات والعراقيل التي تعترض الطلاب السوريين في ألمانيا أوضح الباحث الشاب أن أولى هذه العقبات اللغة الألمانية حيث يبدأ الطلاب اللاجئون بتعلم اللغة الألمانية من الصفر وهو ما يختلف عن الطلاب الأجانب الحاصلين على فيزا دراسية والقادمين إلى ألمانيا بمستوى لغة متوسط، كما أن اختلاف نظام الدراسة والتسجيل في المواد والامتحانات يعتبر من الصعوبات التي تواجه الطلاب للتأقلم مع النظام الدراسي الألماني الذي يختلف كثيراً عن نظام التعليم في الدول العربية.

ترك تعليق

التعليق