هل تنقلب "قسد" على حليفتها أمريكا.. وتسلّم حقول النفط لروسيا؟


يزداد التباعد في المصالح بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تشكل "الوحدات الكردية" عصبها الرئيسي، بشكل ملحوظ.

ويبدو أن إعلان وزارة الدفاع الأمريكية عن عزمها السيطرة على حقول النفط السورية، من خلال الإبقاء على عدد محدود من القوات الأمريكية فيها، لم يحد من مخاوف "قسد"، وهو الأمر الذي تعكسه البيانات المتتالية التي تعلن فيها استعدادها لعقد مفاوضات مع النظام السوري، في محاولة لاستمالة روسيا، التي تحولت إلى لاعب رئيسي في شرق الفرات، بموجب الاتفاق التركي- الروسي الأخير في سوتشي.

وجدد مسؤولون أكراد في "مجلس سوريا الديمقراطية" الواجهة السياسية لـ"قسد"، السبت، دعوتهم النظام السوري إلى التفاوض، مؤكدين أن "التفاوض ليس وليد اللحظة وهو ثابت منذ البداية الأولى للأزمة السورية، وإن تفاعلت دمشق مع موقفنا بإيجابية فإننا سنحترم ذلك ونعتبره خطوة لازمة لمقاومة شعبنا واستعداده لتحرير كل شبر من أرضنا".

وأردفوا في بيان، أن "المجلس يعتبر التفاهم العسكري الذي جرى ما بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري، برعاية من موسكو، يمثل بداية بناء إجراءات الثقة التي نحتاجها لاستكمال تحرير أرضنا من المحتل التركي"، حسب وصف البيان.

ويطرح هذا المشهد تساؤلات، بشأن احتمال اتخاذ "قسد" قرارات خارج الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، قرارات تمثل انقلاباً على تحالفها مع واشنطن، لمصلحة روسيا، اللاعب الأقوى في سوريا، والطامحة إلى السيطرة على حقول النفط.

ضرب من الخيال

وعن ذلك، يقول المحلل السياسي الدكتور فواز العواد: "لا تجرؤ (قسد) حتى على التفكير في الخروج عن العباءة الأمريكية".

ويذهب في حديثه لـ"اقتصاد" إلى استبعاد اتخاذ "قسد" لأي موقف خارج دائرة الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، واصفاً ذلك بأنه "ضرب من الخيال".

وكانت المسؤولة في "قسد" إلهام أحمد، قالت إن قواتها "لا ترغب في أن تسيطر الولايات المتحدة الأميركية على حقول النفط"، وعلّقت خلال حديثها لوكالة "سبوتنيك" الروسية، على قرار الولايات المتحدة البقاء في حقول النفط بالقول: "مجرد كلام، لا شيء على أرض الواقع".

وكما هو واضح فإن "قسد" تلمح إلى احتمال تسليم روسيا حقول النفط، وإزاحة الولايات المتحدة عن المشهد برمته في مناطق سيطرتها.

وفي تعليقه على ذلك، لفت العواد، إلى قيام الولايات المتحدة بتعزيز قواتها في حقول النقط بقوات جديدة قادمة من العراق، ورأى أن ذلك يقطع الحديث عن إمكانية تسليم هذه الحقول للنظام السوري ومن خلفه روسيا التي تضغط مؤخراً لتنفيذ ذلك، تحت ذريعة سيادة "الحكومة الشرعية" على كامل الأرض السورية.

وأضاف العواد: "المؤكد أن روسيا تستغل ضعف قسد مؤخراً وضياع مشروعها الانفصالي بعد تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عنها، وتحديداً في موضوع حقول النفط، لهدفين: تأمين احتياجات النظام السوري لمشتقات النفط وهو يتعرض لحصار خانق أثّر على ردود الفعل لحاضنته الشعبية، والثاني تأمين دخل مالي ضمن حالة من الإفلاس بسبب تورطه بحرب مفتوحة استنزفت كل موارده ومدخراته من العملة الصعبة".

وبالبناء على هذه القراءة، قال العواد: "يمكننا أن نفسر التصريحات الصادرة من (قسد) على أنها ضمن المناورات مع النظام السوري وروسيا للحصول على مكتسبات تفاوضية ضمن ضغوط تعاني منها من الجانب الروسي، وهي تدرك تماماً أنها غير قادرة بتاتاً على اتخاذ إجراءات عملية بدون موافقة الجانب الأمريكي الذي يبدو أنه لن يخرج قريباً من حقول النفط السورية".

الموازنة بين أمريكا وروسيا

من جانبه، يرى المحلل والباحث السياسي، الدكتور حميد العسكر، أن ما يهم "قسد" مصلحتها بالدرجة الأولى، فهي من جهة تحاول كسب ود الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى تفعل الأمر ذاته مع روسيا.

وأضاف في حديث لـ"اقتصاد" أن كل الاتفاقات التي عقدتها "الوحدات الكردية" التي تهيمن على "قسد"، مع الولايات المتحدة سابقاً، ومع النظام السوري وروسيا لاحقاً، كان الهدف منها إرضاء الجميع، مقابل استمرار المشروع القومي لهذه القوات.

وتابع العسكر قائلاً: "تعتقد (قسد) أنها تجيد اللعب على التوازنات، غير أن هناك حسابات لها علاقة بالدعم اليهودي لها".

روسيا خيار لا بد منه

من جهته، اعتبر المحلل السياسي، حسن النيفي، أن توجه "قسد" نحو روسيا قرار ليس فيه اختيار، وإنما خيار لا بد منه.

وأضاف لـ"اقتصاد" أن "تخلي الولايات المتحدة عن (قسد) زاد منسوب الخطر لديها من الجانب التركي، وهذا ما دفعها إلى الاحتماء بالروس، وخصوصاً أنهم لا يثقون بنظام بشار الأسد، الذي لا يقبل الشراكة، وهذا ما أظهره فشل كل جولات المفاوضات معه".

وقال النيفي، إن كل ذلك حتّم على "قسد" اللجوء إلى روسيا كخيار وحيد، موضحاً أن "قسد تريد من روسيا المحافظة على كيانها العسكري، وتأمل كذلك أن تشركها في العملية السياسية، حتى تبحث لها عن موطئ قدم في الساحة السورية".

وفي جانب علاقة "قسد" مع الولايات المتحدة الأمريكية، أضاف: "لم تكن العلاقة بينهما يوماً علاقة استراتيجية، وإنما كانت علاقة وقتية، حيث كانت قسد أداة تنفيذية لأمريكا في حربها على تنظيم الدولة". وأردف: "لم تخذل الولايات المتحدة يوماً، لأن العلاقة أساساً بينهما لم تكن سياسية".

الخبير الاقتصادي، والمفتش المالي المنشق، منذر محمد، اعتبر بدوره أن "قسد" لو خُيرت بين الولايات المتحدة وروسيا، لاختارت الأخيرة بدون تردد، مستدركاً في حديث مع "اقتصاد": "لكن رغبتها هذه لا تحدد مصير المناطق في شمال شرق الفرات، وإنما تحددها الصفقات التي تعقد بين الكبار، الصفقات التي لا تُفصّل على قياس أدوات محلية مثل (قسد)".

 وتابع قائلاً: "رغم فقدان ثقة (قسد) بروسيا، وخشيتها من تكرار ما جرى في عفرين، تدرك (قسد) أن ما يحدد التوجه الأمريكي هو المصلحة فقط، ومصلحة واشنطن مع تركيا أكبر من مصلحتها مع (قسد)".

ورأى محمد، أن "قسد، تدرك هذه الحقيقة، ولو كانت فعلاً قادرة على تسليم آبار النفط للروس لفعلت دون تردد"، منهياً بقوله: "كما أسلفنا، ليس لرأي (قسد) أو مصلحتها دور في الحسابات".

ترك تعليق

التعليق