مشاهد مما تعيشه مدينة حلب.. على لسان شاهد عيان


"نحنا عايشين بقوقعة فساد غير طبيعية في مدينة حلب".. بهذه الكلمات بدأ الشاب"عبيدة الحلبي" حديثه لـ "اقتصاد"، كاشفاً عن حجم المعاناة المعيشية والاقتصادية التي يعيشها السكان داخل المدينة التي باتت تحت سيطرة نظام الأسد والميليشيات الإيرانية والقوات الروسية، بالكامل، منذ نهاية العام 2016.

"عبيدة"، اتخذ من كنية "الحلبي" اسماً مستعاراً لعائلته لأسباب أمنية كون أسرته ما تزال تقبع تحت رحمة نظام الأسد في المدينة التي باتت مرتعاً لمجموعات تمتهن السرقة والنهب والسلب والكثير من الجرائم على "عينك يا تاجر"، حسبما يقول مصدرنا.

وصل "عبيدة"  ذو الـ 25 عاماً إلى ولاية إسطنبول التركية في مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حاملاً في جعبته الكثير من الكلام  وجزءاً من التفاصيل عما يجري في مدينته حلب وتحديداً في حي "حلب الجديدة".

وذكر متابعاً حديثه أن  الأوضاع المعيشية والاقتصادية داخل المدينة، يرثى لها، والبداية من مادة "المازوت" اللازمة للتدفئة، مبيناً أن حكومة نظام الأسد خصصت لكل عائلة 100 لتر فقط من تلك المادة من أجل أن يستفيدوا منها طيلة فصل الشتاء، لكن حتى مطلع الشهر الماضي لم توزع الحكومة أي شيء من تلك المخصصات على العائلات.

والسنة الماضية وزعت حكومة نظام الأسد، حسب مصدرنا، 200 لتر من مادة المازوت على سكان المدينة، وفي هذه السنة انخفضت الكمية من دون توضيح الأسباب، مضيفاً أن العائلة أصلاً تحتاج إلى 600 لتر طيلة فصل الشتاء ولا تكفيها الـ 200 أو الـ 100 لتر الموزعة أو التي ستوزع لهم.

ويصل سعر الـ 100 لتر مازوت من الدولة إلى حدود 15000 ليرة سورية، ويتم الحصول عليها بموجب البطاقة الذكية، إذ أن كل شيء أصبح على موجب تلك البطاقة، فاستلام مادة الغاز له بطاقة والبنزين له بطاقة، والتي يتم الحصول عليها من مخاتير الأحياء المحددة.

وفيما يتعلق بانتهاء الـ 100 لتر من المازوت قبل انتهاء فصل الشتاء ومصير العائلة بعد ذلك، أوضح الشاب الحلبي، أن كل عائلة تلجأ للتقنين من خلال "تشغيل الحمام والصوبيا والشوفاج، يوم الخميس فقط، وباقي أيام الأسبوع تجتمع الأسرة في غرفة واحدة وتلتحف بالبطانيات لدرء البرد، أو سيضطرون لشراء المازوت الحر ويصل سعره إلى ثلاثة أضعاف السعر النظامي وهذا الأمر مستحيل في ظل تلك الظروف".

ومع تخفيض كميات المازوت وغلاء أسعاره باتت العوائل الحلبية تلجأ إلى "مدافئ الحطب" والتي انتشرت بكثرة في أحياء المدينة، ولكن مع غلاء أسعار الحطب التي تفوق قدرة الناس على شرائها، بدأت العائلات تتجه إلى الحدائق من أجل قص أشجارها، و"نحن عشنا تلك التجربة على مدار 4 سنوات الماضية وكنا نذهب للحدائق لقص الأشجار والاستفادة من حطبها في التدفئة، وباتت منطقة (حلب الجديدة) خالية من الأشجار اليوم، حتى نسبة كبيرة من حلب المدينة خالية من الأشجار اليوم بسبب ذلك"، يقول "عبيدة".

وتطرق المصدر إلى الحديث عن مصروف العائلة الحلبية والذي يختلف باختلاف وضع كل عائلة، وقال: "مصروفنا الشهري كعائلة مؤلفة من 5 أشخاص يصل إلى 200 ألف ليرة سورية شهرياً، ما بين طعام وشراب ولباس إضافة لشراء مادة المازوت، علماً أن منزلنا ملكنا ولا نعيش بالإيجار".

وهناك عوائل تعيش على 100 ألف شهرياً ومنهم من يعيش على 70 ألف ليرة سورية شهرياً، وعلى هذا المنوال،
"الناس عايشة لكن كيف عايشين لا أحد يعلم"، يضيف محدثنا.

أكثر فئة متضررة تحدث عنها "عبيدة" هي فئة الموظفين الذين وصفهم بـ "المنتوفين"، إذ يصل راتب الموظف العادي إلى 35000 ليرة سورية، في حين راتب الموظف الإداري يصل إلى 40 ألف ودكتور الجامعة إلى 55 ألف تقريباً، يذهب منها 15000 لشراء المازوت وما تبقى لا يكفي أي أسرة موظف لإكمال باقي الشهر.

وفي هذه الحالة تضطر نسبة كبيرة من الموظفين إما للعمل كـ " صانع في بقالية، أو على تكسي أجرة"، حتى يستطيع أن يؤمن لقمة عيشه وأسرته، إذ أن الموظف المتزوج ولديه زوجة وطفل فقط يحتاج لـ 80 ألف ليرة سورية شهرياً حتى يعيش، وفق ما ذكر "عبيدة"، الذي أضاف أن نسبة الموظفين في حلب الآن تصل إلى 50% ومعظمهم "عايش بقدرة قادر".

أما نسبة أخرى من الموظفين فإنها تعتمد على راتبها إضافة لما يرسله لهم أقاربهم من حوالات مالية من الخارج، أو إذا كان لدى أحدهم بيت فإنه يقوم بتأجيره ويعيش من ذلك الإيجار، وإذا كان عنده سيارة عمومي يقوم بتأجيرها، وكله يندرج في إطار "إذا كان لديه".

ومما يزيد الطين بلة، حسب مصدرنا، هو غياب الجمعيات الإغاثية عن توزيع المعونات لسكان حلب المدينة، إذ أن "نظام الأسد أعلن أن الحرب انتهت في سوريا، لذلك لا داعي لعمل الجمعيات، والأمور أصبحت بخير"، يقول "عبيدة".

ولا يقتصر الأمر اليوم في حلب المدينة على الوضع المعيشي والاقتصادي المتردي، بل تشهد عدد من الأحياء حالة من الفلتان الأمني.

وفي هذا الصدد يقول "عبيدة"، إن "المدينة تشهد انتشاراً كبيراً للشبيحة والعصابات، التي تقوم بأعمال التشليح والسرقة والنهب وعلى عينك يا تاجر، وفي حال تم القبض على المجرم أو الشبيح فإنه يتم سجنه لمدة أسبوعين فقط ومن ثم يخرج".

وشبّه "عبيدة" ما يجري خاصة في حيي "صلاح الدين، والسكري" بالمسلسل المشهور "الهيبة"، إذ أن هذه الأحياء ورغم أنها منكوبة إلا أنها مرتع للعصابات تجول وتسرح وتمرح فيها مثل أحداث مسلسل "الهيبة"، "ولا يوجد رأس مسؤول عنهم، والأمن بدوره غايب عنهم وملتهي بإدلب وخان شيخون وما حولهما".

وعلى اعتبار أن تلك الأحياء تقع شرقي حلب المدينة وتحتلها العصابات، فإنه عند الساعة العاشرة مساء وما قبل لا تشاهد أي إنسان في تلك المنطقة من المدنيين خوفاً من ارتكاب أي انتهاك بحقهم على أيدي تلك المجموعات، في حين أن باقي الأحياء تكون الحركة فيها شبه طبيعية نوعاً ما.

وإضافة لانتشار تلك العصابات والشبيحة، ينتشر الروس والإيرانيون بكثرة في حلب المدينة، وينتشر الإيرانيون بكثرة في أحياء "حلب الجديدة والإذاعة"، ويحتلون بناء البحوث بالكامل مع عائلاتهم، يضاف إلى ذلك انتشار الروس بكثرة أيضاً.

ولا يعتبر "عبيدة"، الشاب الوحيد الذي قرر الخروج من مدينة حلب مؤخراً، إذ أوضح أنه ولدى وصوله السفارة التركية في بيروت لمقابلة الحصول على "الفيزا" وجد أمامه ما يقرب من 100 شاب من مدينة حلب قدموا أوراقهم من أجل الخروج من سوريا، هرباً من الأوضاع التي آلت إليها مدينتهم.

ترك تعليق

التعليق