هل تطفو سوريا على بحيرة نفط؟ (1 – 3)


قد يبدو التساؤل أعلاه، ساذجاً للبعض، لكنه بالنسبة للبعض الآخر، احتمال وارد بشدة، إن لم نقل أنه مرجّح. وكان تمسك الأمريكيين، قبل أسابيع، بالسيطرة على نفط "شرق الفرات"، كفيل بتعزيز ذلك الجدل القديم، الذي عادةً ما يخلو من أية وثائق أو مصادر مرجعية، حول حجم الثروة النفطية والغازية التي تحتويها أراضي وسواحل سوريا. ووسط انعدام الثقة بحكومة الأمر الواقع، القائمة في دمشق، والتشكيك بنوايا "أصدقاء الشعب السوري"، قبل "أعدائه"، لا يبدو أن لدى السوريين وسيلة موثوقة للحصول على إجابة جازمة على ذلك السؤال الذي يقترب من الطروحات الغيبية في حالتنا هذه: هل نحن نطفو على بحيرة من النفط؟

"اقتصاد" قرر البحث عن إجابة على هذا السؤال "السرمدي".. وتوجه نحو خبراء متخصصين، في الاقتصاد، يتمتعون بهامش مقبول من الإطلاع على الشأن النفطي السوري. لكن ذلك لم يسعفنا بالحصول على إجماعٍ بهذا الخصوص، حيث اختلفت الآراء، وانقسمت في اتجاهين رئيسيين، هما ذاتهما الشائعين في أوساط المهتمين بهذا الملف، عموماً.

ورغم محاولاتنا لإيجاز الإجابة على السؤال الذي يشكل محور مادتنا، إلا أننا اكتشفنا بأن "الشيطان" ربما يكمن في التفاصيل، مما اضطرنا للتوسع، عبر سلسلة من ثلاثة أجزاء، سنخصصها للبحث عن تلك الإجابة المنشودة.

ثروة سوريا من النفط والغاز، ضئيلة.. وفق معايير الأمريكيين

يتفق عدد من خبراء الاقتصاد، ممن تحدث إليهم "اقتصاد"، في أن ثروة سوريا من النفط والغاز، لا يمكن أن تثير اهتمام الأمريكيين، لأسباب اقتصادية، نظراً لضآلتها.

وبهذا الصدد، يقول الباحث "منهل عبود"، وهو من أبناء مدينة دير الزور، إنه "لمن المضحك القول أن واشنطن يمكن أن تتمسك بنفط شرق الفرات بداعي الحاجة له".

ويذكرّنا "منهل عبود" بأن كمية الإنتاج النفطي في سوريا، بمجمل حقوله، قبل الثورة، كان قرابة 350 ألف برميل يومياً. وكان قد وصل، قبل ذلك بسنوات، إلى أقصى حدوده فوق 600 ألف برميل، بقليل.

فيما أن إنتاج النفط الأمريكي يتراوح بين 11 و13 مليون برميل نفط، يومياً.

وهي قراءة يتفق معها الباحث والمهندس الكيميائي، مهند الكاطع، الذي قال لـ "اقتصاد" إن عمليات استخراج النفط غير الممنهجة التي كان يعتمدها النظام لاستخراج أكبر كمية ممكنة، ساهمت في تراجع إنتاج النفط من 600 ألف برميل، عام 2004، إلى أقل من 300 ألف برميل عام 2010.

"مهند الكاطع" كان قد عمل في دائرة المخزون في إحدى حقول نفط الحسكة، سابقاً، مما جعله على إطلاع ميداني على جوانب تتعلق بوضع إنتاجية النفط، هناك. وبناء على معلوماته تلك، يقول "الكاطع" لـ "اقتصاد"، إن عمليات استخراج النفط التي اعتمدها النظام لسنوات أدت إلى تخرب الطبقة المنتجة للنفط.

ويعتقد "الكاطع" أن استخراج النفط من الاحتياطي المتبقي ستواجهه المزيد من الصعوبات المستقبلية، وستكون كلفة الاستخراج مرتفعة وغير مجدية، في بعض حقول الحسكة، بشكل خاص، حسب وصفه.

لكن، إن كانت ثروة سوريا من النفط غير مجدية اقتصادياً، على الأقل، وفق معايير الأمريكيين وحجم إنتاجهم الهائل من النفط، إذاً، لماذا تتمسك واشنطن بنفط "شرق الفرات"؟

الدولة العميقة

يجيب الدكتور أسامة قاضي، رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، على هذا السؤال بإيجاز: "استجابة لمطالب منظومة الدولة العميقة الأمريكية، التي لا تريد الانسحاب من سوريا ومن الشرق الأوسط".

كان "أسامة قاضي" قد أشرف بنفسه، وشارك في إعداد دراسات توثيقية واستشرافية لقطاعات الاقتصاد السوري، على مدار السنوات السبع الماضية، ومن بينها القطاع النفطي. وبناء على إطلاعه في هذا الملف، يذهب "قاضي" إلى أن "المنظومة (الدولة العميقة) استطاعت إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن عليه تحصيل جزء من قيمة التكاليف التي أنفقتها الولايات المتحدة على الحرب في سوريا، وذلك عبر الإبقاء على عدد قليل من الجنود في مناطق إنتاج النفط".

مجرد ورقة لا أكثر

بدوره، يقترب الباحث "منهل عبود"، من قراءة "د. أسامة قاضي". إذ يرى الأول أن واشنطن تنظر للنفط كورقة ضغط سياسية على الأطراف المتصارعة في سوريا.

ويذهب "عبود" إلى أن واشنطن قد تستخدم هذه الورقة لترجيح كفة طرف على الآخر، من اللاعبين على الساحة السورية، أو قد تستخدمها لإطالة أمد الصراع، أو ربما للحصول على تنازلات، تُرضي البيت الأبيض، حسب وصفه.

"انتخبوني ثانيةً"

يتفق "سمير سعيفان"، مدير مركز حرمون للدراسات المعاصرة، مع الآراء الثلاثة السابقة، في أن تمسك الأمريكيين بنفط "شرق الفرات"، لا يرتبط بغايات اقتصادية. ويركز "سعيفان" في تفسير ذلك على شخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهاجسه الانتخابي.

ويعتقد "سعيفان" أن "كل تصريح لترامب يقع تحت ضغطين، ضغط شخصيته المضطربة، وضغط صورته في الداخل وتأثير أي تصريح على انتخاباته القادمة، فهو يخاطب المصالح الأنانية الضيقة للأمريكي ويهبط بتصريحاته لهذا المستوى ليقول للأمريكيين: انتخبوني ثانية لأجلب لكم نقوداً".

إشارات استفهام لدى منظّري الاتجاه الثاني

لكن بخلاف القراءات السابقة، يذهب فريق من المراقبين والمتخصصين في اتجاه آخر تماماً. ويتساءل منظّرو الاتجاه الثاني، ما هي المصادر التي يتم الاعتماد عليها، للقول بأن ثروة سوريا من النفط ضئيلة؟

وحسب رأي هؤلاء، فإن المصادر الرئيسة للمعلومات بهذا الخصوص، هي إما حكومة النظام السوري ذاتها، أو مؤسسات خاضعة لها، أو مؤسسات وجهات دولية، ترتبط بمصالح الأمريكيين، بشكل خاص، والغرب، بشكل عام.. الأمر الذي يطرح إشارات استفهام حول مدى صدقية المعلومات التي تنشرها تلك المصادر.

 ويلمح بعض متبني هذا الاتجاه بوجود أسرار خفيّة تتعلق بالاحتياطي الحقيقي لنفط سوريا، يعلمها الأمريكيون ونظام الأسد ولاعبون آخرون في الساحة السورية، لكنها محجوبة عن الشارع السوري. وهي أسرار قد تفسّر سبب تمسك الأمريكيين بنفط "شرق الفرات".

لكن، ما هي المؤشرات والمعطيات التي يستدل بها متبنو هذا الاتجاه على تلك الأسرار الخفيّة المتعلقة بالحجم الحقيقي لثروة سوريا النفطية؟

نفصّل ذلك في تقريرنا الثاني من هذه السلسلة التي نأمل أن تشكل إغناءً للبحث والتقصي في هذا الجانب المثير للجدل في أوساط الكثير من السوريين..


(شارك في إعداد هذا التقرير كل من: مصطفى محمد، أحمد زكريا، محمد كساح، شمس الدين مطعون. وقام بالتنسيق وإعداد الصياغة النهائية: إياد الجعفري)

ترك تعليق

التعليق