من تدمر إلى إدلب.. قصّة أحد محترفي "الرسم بالرمل"


في وسط المدينة، وعلى بسطة صغيرة، يوزّع "أبو أحمد التدمري" زجاجات رماله الملونة، ليرسم الأمل والتفاؤل على وجوه الناس، برسومات وأشكال جميلة من الرمال الملونة، في زجاجات مستعملة، يمنحها منظراً يشد أعين الناظرين إليها.

"أبو أحمد التدمري"، 42 عاماً، من مدينة تدمر، يروي لـ "اقتصاد" تفاصيل عن رحلته التي حطت رحالها في إدلب، بعد معاناة صعبة واجهته منذ بداية الثورة وحتى اليوم.

"هذه المهنة تعلمتها من جدي منذ 20 عاماً، والذي ورثها بدوره، عن آباءه وأجداده، منذ مئات السنين. في البداية كان إتقانها صعباً جداً، لكن بعد الممارسة أصبحت جزءاً من حياتي. ويوماً تلو يوم، يزداد تعلقي بها، وأكتشف فيها أشياء جديدة. لكن للأسف، بات الرسم بالرمل هذه الأيام من المهن القديمة والمنسية إن صح التعبير".

يتابع "أبو أحمد" في حديثه لـ "اقتصاد": "عملية الرسم داخل الزجاجة تبدأ بوضع مادة لاصقة داخل إبرة، وأقوم بثني رأس الإبرة للتحكم بها داخل الزجاجة، وأستطيع كتابة ما أشاء، وبعدها أضع الرمل بكمية قليلة كي يظهر ما كتبت على الزجاجة".

ويستطرد: "في المرحلة الثانية أبدأ بوضع الرمل بالشكل الذي يفضله الزبون داخل الزجاجة حتى تمتلئ، وتكون نهاية العملية عند ضغطها بمكبس صغير ووضع المادة الصمغية لضمان عدم خروج الرمل من الزجاجة".

يعقّب "أبو أحمد": "عملي اليوم لا يقتصر على الرسم بالرمل، بل أعمل أيضاً بالكتابة على حبة الأرز بمقدار 100حرف. أستعمل آلة حفر صغيرة مخصصة لذلك. كما وأقوم بالحفر على صدف البحر. وأستطيع أيضاً صنع مجسمات من نواة التمر".

وعن كيفية تأمين الرمل، قال "أبو أحمد": "آتي بالرمال من المنطقة الصناعية في إدلب، ويكون لونها أصفر فاتح، فأقوم بتلوينها كما أشاء باستعمال مادة (الصبغة) مما يعطيها لوناً جذاباً ومنظراً جميلاً".

وتابع: "بدأت العمل في هذه المهنة بمدينتي تدمر بعد وفاة جدي، وذلك في محل مميز كان يجذب الناظرين وكأنه تحفة فنية. وكانت مدينة تدمر معلماً سياحياً يقصده السياح من كافة أرجاء العالم. وأغلب الزبائن كانوا من خارج سوريا. وفي بداية الثورة بدأ العمل ينخفض بشكل ملحوظ إلى درجة أنني لم أعد أبيع إلا القليل من القطع والتحف التي أصنعها".

وأضاف: "عندما بدأ الصراع بين تنظيم (الدولة الإسلامية) والنظام السوري، للسيطرة على المدينة، اضطررت إلى إغلاق المحل والجلوس في المنزل. لكن هذه الفترة لم تكن طويلة، إذ سرعان ما فكّرت بالذهاب إلى مدينة إدلب، بسبب فقداني الأمل بالعودة للعمل في مدينتي (تدمر). وبدايتي الجديدة كانت في إدلب، التي بدأت عملي فيها منذ 3 أعوام تقريباً".

"وفي إدلب اضطررت إلى فتح بسطة صغيرة على حافة الطريق لعدم استطاعتي استئجار محل نظراً لغلاء الإيجارات. وكانت الناس تأتي إلي وتلتقط الصور بجانب بسطتي الصغيرة المتواضعة، باعتبارها شيئاً مميزاً وغريباً".

"أما اليوم، وبعد تدهور الأوضاع الأمنية في المدينة جراء تعرضها للقصف من قبل النظام وروسيا، بدأ العمل يقل بشكل ملحوظ وبالكاد أستطيع تأمين لقمة عيشي".

"وعن حياتي الخاصة.. أنا حتى هذه اللحظة لم أتزوج. ولكنني لا أشعر بالوحدة، لأنني في المساء أقوم بصنع أشكال مجسمة بنواة التمر (أي العجوة)، وأقوم ببيعها صباحاً على بسطتي".

وفي الختام تحدث "أبو أحمد" لـ "اقتصاد" عن أمنيته، وهي أن يفتتح معهداً ليدرب فيه الأجيال القادمة على هذه المهنة التي وصفها بأنها من روح التراث القديم، ويجب المحافظة عليها كي تبقى دائماً رائحة الآباء والأجداد وأعمالهم الفنية الرائعة، في ذاكرتنا.

ترك تعليق

التعليق