مراقبون يُفصّلون لـ "اقتصاد" بعض أسباب تدهور الليرة


يرى مراقبون، أن  هناك الكثير من الأسباب الموضوعية، التي تقف وراء  عدم توفر القطع الأجنبي، الذي كان له الدور البارز، في هبوط قيمة الليرة السورية أمام الدولار.
 
 ومن هذه الأسباب حسب مراقبين، فقدان النظام لخزان مالي ضخم، كان يرفد خزينته بملايين الدولارات يومياً، ألا وهو مناطق المعارضة، بما تحتوية من عناصر مسلحة، ومنظمات إغاثية، وهذا ما أكده رأس النظام بشار الأسد في إحدى أحاديثه الصحفية، مؤخراً.

ولفت مراقبون  إلى أن حل الفصائل المسلحة، وتوقف عمل المنظمات الإنسانية والاغاثية، في محافظات الجنوب السوري، بعد استعادة النظام السيطرة عليها، أفقد الأخير مورداً ضخماً من القطع الأجنبي.
 
وتشير مصادر مطلعة إلى أن توقف أنشطة الفعاليات آنفة الذكر، تسبب بدوره، في توقف أسواق تجارة العملة غير المرخصة، التي كانت تمر عبرها ما بين 3 و5 ملايين دولار يومياً، تدخل بشكل غير نظامي إلى سوريا، وتصب في معظمها في مصلحة اقتصاد النظام عبر التبادلات التجارية بين مناطق سيطرة النظام من جهة، ومناطق سيطرة المعارضة من جهة أخرى.

ولفت أحد القادة الميدانيين السابقين في الجيش الحر ويدعى "أبو عبد الله"، إلى أن ملايين الدولارات، كان تدخل إلى الجنوب السوري شهرياً، على شكل رواتب وهبات ومساعدات، كلها كان يتم تصريفها إلى الليرة السورية.

وأكد أن فقدان هذه المبالغ من العملة الأجنبية في الوقت الحالي، فيما الاقتصاد متهالك أصلاً، كان من شأنه أن يضعف قيمة الليرة السورية، ويكون سبباً في تردي أوضاعها.

تراجع حوالات المغتربين.. سبب آخر

مصادر اقتصادية مطلعة أكدت أن حوالات المغتربين المالية إلى ذويهم، (التي كانت تقدر ما بين 5 إلى 7 مليون يومياً وترتفع إلى أكثر من عشرة ملايين في المناسبات)، كانت تشكل رافداً آخر لخزينة النظام من القطع الأجنبي، لافتة إلى أن تراجع إرسال الحوالات بالمقارنة مع الأعوام السابقة، يعد سبباً آخر لندرة القطع الأجنبي لدى مصارف النظام، وبالتالي سبباً من أسباب انهيار الليرة.

وعزت تلك المصادر تراجع حوالات المغتربين إلى ذويهم بالداخل، إلى عدة أسباب أولها: خوف أصحاب المكاتب غير المرخصة من العمل في ظل وجود النظام في المناطق المحررة، وثانيها القيود التي تفرضها دول اللجوء والاغتراب على حوالات السوريين، بالتزامن مع فرض العقوبات الاقتصادية على النظام، أما ثالثها فهي الإجراءات المعقدة، التي تمر بها عملية الحصول على الحوالة من المكاتب المرخصة في سوريا، والتي يأتي في مقدمتها، فرض تقديم مبررات مقنعة من مستلم الحوالة، عن الحوالة ومصدرها، وأسبابها، وهو ما لا يحبذه أصحاب الحوالات.

وأضافت المصادر أن من الأسباب الأخرى لانخفاض حجم حوالات المغتربين إلى ذويهم، لا سّيما عبر القنوات الرسمية، هو خشية تعريض أهاليهم للمساءلة القانونية، ولجوء النظام بعد سيطرته على أغلب المناطق المحررة، إلى فرض السعر الرسمي على مستلم الحوالة، أثناء تسليمها، وهو 434 ليرة سورية للدولار، الأمر الذي يفقد الحوالة أكثر من ثلث قيمتها فيما لو تم تصريف الدولار في السوق السوداء بنحو 710 ليرة سورية.

الحوالات سبيل لا يمكن الاستغناء عنه في مساندة الأهل بالداخل
 
وبهذا الصدد، يقول "غسان. س"، وهو صاحب مكتب حوالات غير مرخص في ريف درعا، في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد": "مازلنا نعمل في استقبال الحوالات، ولكن على نطاق ضيق، ودون تحديد مكان للعمل أو الإعلان عنه، خشية الملاحقات القانونية".

واعتبر أن العمل في هذا المجال، يبقى مغامرة، ومخاطرة، تودي إلى التهلكة في ظل وجود النظام، مؤكداً انه مهما حاول النظام التشديد على تعاملات السوق السوداء المالية، سيبقى هناك وسائل للتخلص من رقابته.
 
وأضاف أن حوالات المغتربين إلى ذويهم في الداخل مازالت متواصلة، وتصل إلى بعض الأشخاص بانتظام، سواء في محافظات الجنوب السوري وريف دمشق، أو في العاصمة ذاتها، ولكن مبالغها تبقى محدودة جداً مقارنة مع حجم الحوالات التي كانت تأتي في السنوات السابقة كما وتتم بسرية تامة، وبعيدة عن الأعين، موضحاً أن سلطة النظام على المناطق المحررة، التي استعادها مؤخراً، مازالت محدودة، وغير فاعلة على الأرض.
 
فيما أكد "سامي. ر" وهو صاحب مكتب حوالات مرخص، أن هناك حوالات تأتي عبر قنوات رسمية، فيما تأتي أخرى عبر علاقات خاصة، موضحاً أن الحوالات النظامية، يتم صرفها بأسعار الصرف الرسمية، أما الحوالات الأخرى، فيتم صرفها حسب السعر الدارج في السوق الموازي.

وأضاف أن ثمة زبائن كثر، يصرفون حوالاتهم بالسعر الرسمي، الذي حدده البنك المركزي، لافتاً إلى أن أغلب هؤلاء الأشخاص، يستقبلون حوالاتهم من دول، على علاقات جيدة مع النظام، حسب وصفه.

أما "أبو سامر"، 49 عاماً، من مدينة دمشق، فأكد أنه يستلم حوالاته، التي تأتيه من ابنه في تركيا، عبر أحد التجار، ويصرفها حسب السعر في السوق السوداء لدى نفس التاجر، أو لدى التجار الذين يعملون في هذا المجال، ولاسيما المقربين من النظام ومن الأجهزة الأمنية، وهم كثر في دمشق كما في غيرها.

وحول الأسباب الأخرى لانهيار الليرة السورية
 
عزا المتابع الاقتصادي "س ، خ" سبب انهيار الليرة السورية، إلى السياسات النقدية العشوائية والارتجالية، التي يتبعها النظام، في محاولاته اليائسة للحفاظ على ما تبقى من اقتصاده المتهالك، لافتاً إلى أن الحرب المستمرة التي تشهدها سوريا منذ 9 سنوات، دمرت مقدرات البلاد وأوقفت عمليات النمو والإنتاج، وتسببت بعجز في ميزان المدفوعات وبهروب رؤوس الأموال، التي كانت تعتبر الحامل الفعلي لاقتصاد الدولة.

وأضاف أن رهن النظام، مقدرات البلد الأساسية التي كانت تلعب دوراً أساسياً في اقتصاد البلد، مثل الموانئ، والمطارات، وغيرها.. لسداد ديون تكاليف الحرب لروسيا ولإيران، أفقده الكثير من مصادر القوة الاقتصادية وموارد الدخل.
 
وأشار إلى أن الليرة، كانت تشهد في فترات سابقة مثل هذه الحالات من الانهيار، لكنها كانت تعود وتتماسك من جديد.

ولفت إلى أن تخلي البنك المركزي عن دعم الليرة، وتزامن ذلك مع الأحداث الجارية في دول الجوار، لبنان والعراق، وفي إيران الداعم الاقتصادي الأساسي للنظام، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية على النظام، أسهمت مجتمعة بالوصول إلى هذه النتيجة التي وصلت إليها الليرة السورية، من الانهيار.


ترك تعليق

التعليق