إسرائيل تدخل أزمة ميزانية.. ونتنياهو يُتهم رسمياً بالفساد


وجه المدعي العام الإسرائيلي يوم الخميس رسميا اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في قضايا فساد، ما يدفع النظام السياسي المشلول في البلاد إلى مزيد من الفوضى ويهدد قبضة الزعيم الذي يحكم منذ فترة طويلة على السلطة.

ومع تزايد احتمال إجراء انتخابات ثالثة في إسرائيل في أقل من عام، والتي ستجرى على الأرجح في عام 2020 قبل إقرار موازنة عامة جديدة، سيؤدي ذلك إلى خفض في الإنفاق على مدى شهور من شأنه التأثير على النمو الاقتصادي.

وفي ختام تحقيقات استمرت ثلاث سنوات، اتهم المدعي العام أفيخاي ماندلبليت نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة وقبول رشا في ثلاث فضائح مختلفة. هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها رئيس وزراء إسرائيلي بارتكاب جريمة.

وتحمل الاقتصاد الإسرائيلي حتى الآن إجراء الانتخابات مرتين دون تحقيق نتيجة حاسمة وعاما تعاقبت فيه حكومات تسيير أعمال لا يحق لها اتخاذ قرارات مهمة من الإصلاح الضريبي إلى تعيين القضاة.

لكن الاقتصاد لا يمكنه تحمل أثر عدم إقرار موازنة عامة. سيلجأ الوزراء تلقائيا إلى تكرار المخصصات الشهرية المطبقة عام 2019 دون أي زيادات، مما يُصعب إنشاء طرق جديدة ودفع مستحقات المقاولين وتغطية العجز المتنامي.

ووفقا للائحة الاتهام، فإن نتنياهو قبل رشا في صورة شمبانيا وسيجار بمئات الآلاف من الدولارات من أصدقاء أثرياء، وعرض تبادل مصالح مع ناشر صحيفة، واستغل نفوذه لمساعدة شركة بيزك للاتصالات مقابل تغطية إيجابية عنه وعن زوجته سارة على موقع إخباري يديره الرئيس السابق للشركة.

لا تتطلب لائحة الاتهام استقالة نتنياهو، لكن من المتوقع أن تزيد الضغوط عليه للتنحي.

ورفض ماندلبليت الاتهامات بأن قراره كان بدوافع سياسية وقال إنه تصرف فقط بدواعي احترافية.

وقال للصحفيين "اليوم الذي يقرر فيه المدعي العام تقديم لائحة اتهام ضد رئيس وزراء في السلطة لارتكابه جرائم خطيرة من الحكم الفاسد هو يوم ثقيل وحزين للجمهور الإسرائيلي ولشخصي".

وأضاف "هذه ليست مسألة يمين أو يسار. هذه ليست مسألة سياسية ... هذا التزام يقع على عاتقنا، نحن الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون وعلى عاتقي شخصيا بصفتي الشخص الذي يقبع على رأسها".

* فوضى مطلقة في جميع وزارات الحكومة

ومن المتوقع أن تؤثر هذه التطورات بصورة كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي. وقال المحاسب العام لأعضاء اللجنة المالية بالكنيست الذين يشعرون بالقلق هذا الأسبوع "التعامل مع ذلك لن يؤثر فقط على مكاتب الحكومة بل على الاقتصاد ككل".

وجاء عرض توقعات متشائمة بعدما اتضح أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومنافسه بيني جانتس لا يحظى أي منهما بدعم كاف من البرلمان لتشكيل حكومة.

وبعدم حصول أي منهما على تأييد كاف تبدأ الآن مهلة مدتها 21 يوما يمكن خلالها للمشرعين اختيار أي من أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120 عضوا لمحاولة تشكيل ائتلاف.

وإذا لم ينجح ذلك أيضا فستجرى انتخابات جديدة في غضون 90 يوما مما يعزز احتمالات أن يعود الناخبون المرهقون مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع بعد انتخابات في أبريل نيسان وأخرى في سبتمبر أيلول.

وقال عمير فيكس الخبير القانوني بالمعهد الإسرائيلي للديمقراطية "ثمة حالة فوضى مطلقة في جميع وزارات الحكومة. هذا ما يحدث عندما لا تكون هناك موازنة. وإذا أعلنوا فعلا عن انتخابات فسيتحول ذلك إلى كابوس".

ويتعرض مقاولو الدفاع بالفعل لتجميد مدفوعاتهم وفقا لمصدر من القطاع. ومن المتوقع تعليق مشروعات شق الطرق الجديدة والسكك الحديدية الضرورية لتخفيف التكدس المروري.

وقال جوناثان كاتس كبير الاقتصاديين في ليدر كابيتال ماركتس "مشتريات الوزارات ستتباطأ كلها وبعضها قد يتوقف تماما".

* الفرص الضائعة

بغض النظر عن حالة عدم اليقين، يظل الشيقل الإسرائيلي من أقوى العملات في العالم، وأظهرت تقديرات أولية هذا الأسبوع أن النمو الاقتصادي ارتفع إلى 4.1 بالمئة في الربع الثالث. لكن المخاطر زادت خلال الاثني عشر شهرا الماضية.

فمن المتوقع أن يرتفع عجز الموازنة إلى ما يقرب من أربعة بالمئة في 2019 بالمقارنة مع 2.9 في 2018 وهناك حاجة لتخفيضات جديدة للضرائب والإنفاق لاحتوائه قبل أن يؤثر على التصنيف الائتماني لإسرائيل.

ووعد مسؤولون حكوميون بزيادة الاستثمارات في المواصلات العامة والمنافسة على الوظائف للحفاظ على النشاط الاقتصادي لكن أغلب هذه الخطط توقف.

وقال جيل بافمان كبير الاقتصاديين في بنك لئومي الإسرائيلي "المشكلة الأساسية تتعلق بالفرص الضائعة. وبتحديد أكبر فرصة إحداث تغييرات هيكلية مطلوبة بشدة في الاقتصاد".

وخفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يوم الخميس توقعها للنمو الاقتصادي في إسرائيل إلى 2.9 بالمئة في 2020 من تقدير سابق بأن يبلغ 3.3 بالمئة وتوقعت نموا مماثلا في 2021.

وأرجعت ذلك إلى التباطؤ العالمي لكنها أشارت إلى أن "تكثيف الإصلاحات الهيكلية... حيوي لخفض التباينات الكبيرة وتعزيز الإنتاجية".

ودعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كذلك إلى إصلاح ضريبي لزيادة العائدات وهو أمر مستحيل الحدوث دون وجود حكومة.

ومن المتوقع أن يخفض بنك إسرائيل المركزي سعر الفائدة الرئيسي الأسبوع المقبل لأول مرة منذ 2015 وعزا أغلب الاقتصاديين الذين استطلعت رويترز آراءهم ذلك إلى التباطؤ العالمي وإلى قيمة مبالغ فيها لسعر صرف الشيقل.

*اتهامات خطيرة

وبالعودة إلى لائحة الاتهام التي صدرت بحق نتنياهو، فإن أخطر الاتهامات ترتبط بما يسمى بـ "القضية 4000"، والتي يتهم فيها نتنياهو بإصدار لوائح تمنح صديقه قطب الاتصالات، شاؤول إيلوفيتش، مزايا تزيد قيمتها على 250 مليون دولار لصالح شركته "بيزك". وبالمقابل، نشر الموقع الإخباري "والا" المملوك لإيلوفيتش مقالات إيجابية عن نتنياهو وعائلته.

وفقا لائحة الاتهام، فإن العلاقة كانت "قائمة على أساس التفاهم المتبادل بأن لكل منهما مصالح كبيرة يستطيع كل طرف أن يحققها للآخر". كما اتهم نتنياهو بإخفاء تلك العلاقة من خلال تقديم "معلومات جزئية ومضللة" عن صلاته بإيلوفيتش.

وفي السياق، قال زعيم الحزب السياسي غريم نتنياهو الرئيسي القائد العسكري السابق بيني غانتس، إن رئيس الوزراء "ليس لديه تفويض علني أو أخلاقي لاتخاذ قرارات مصيرية لدولة إسرائيل".

كان مساعدان مقربان لنتنياهو تحولا إلى شاهدي دولة وأدليا بشهادتهما في القضية.

كما ذكرت لائحة الاتهام أن هدايا الشمبانيا لنتنياهو من المليارديرين أرنون ميلشان وجيمس بيكر "تحولت إلى أحد أنواع خط الإمدادات". وقدرت قيمة الهدايا بنحو 200 ألف دولار.

وقالت لائحة الاتهام أيضا إن نتنياهو ساعد الإسرائيلي ميلشان- وهو من أقطاب هوليود- في تمديد تأشيرته الأمريكية. ولم يتضح بعد ما الذي حصل عليه بيكر في المقابل.

ترك تعليق

التعليق