من هم "الأوفر حظاً" في سوريا؟.. تعرّف عليهم


اعتاد "جمال" على شراء الاحتياجات الضرورية لأسرته بمبلغ محدد يومياً. لكنه بعد موجة الغلاء التي اجتاحت المنطقة تزامناً مع تدني قيمة العملة المحلية في سوريا، أصبح مضطراً لدفع مبالغ أكبر مما هو معتاد، على الرغم من بقاء دخله اليومي ثابتاً وبالعملة نفسها، وهذا ما يجلب له الكثير من المتاعب، كما يؤكد لنا.

وأدى صعود الدولار أمام الليرة السورية إلى ارتفاع مماثل طال جميع المواد الغذائية والخضار والفاكهة واللحوم إضافة لقائمة طويلة يصعب حصرها من المواد المستوردة.

وفي منطقة تخضع لما تفرضه الحرب، كسوريا، ليس بإمكان أغلب السكان الذين تقلصوا بسبب الهجرة نحو الخارج، سوى التقشف.

وقال جمال وهو من إدلب (شمال غرب)، التي تعتبر آخر جيب واسع يخضع لنفوذ قوات المعارضة، "كنت أعيش على ألفي ليرة (2.8 دولار) يومياً.. هذا المبلغ لم يعد كافياً لشراء وجبة الغداء ودفع تكاليف الاتصالات والكهرباء".

وقال "سعيد" الذي يعيش في منطقة خاضعة لسيطرة النظام، وفضّل التحدث تحت اسم مستعار خوفاً من الملاحقة الأمنية بسبب التحدث لصحيفة معارضة، "لا يمكن لنا أن نحتمل الصعوبات الهائلة التي نتعرض لها في هذه المنطقة.. الوقود نادر وباهظ الثمن.. السكر، الرز، الزيت والسمن، واللحم بأنواعه المختلفة يستمر دائماً بالتحليق".

في دمشق (جنوب غرب) لا يمكن لـ سعيد الاعتماد على الـ "ألفي ليرة" التي يعيش عليها نظيره في مناطق المعارضة، فـ "النفقات اليومية تحتاج لمبالغ كبيرة لا يوفرها الدخل اليومي"، حسبما يخبرنا سعيد.

ومع أن سعر لحوم الدجاج والمواشي والأسماك ارتفعت في إدلب، لكنها غدت في دمشق باهظة الثمن بشكل "غير محتمل".

وغالباً ما يمكن تسجيل فارق كبير في الأسعار بين المنطقتين، وإن كان الغلاء المتواصل بسبب تدني قيمة الليرة السورية هو الحاصل في كليهما.

المحظوظون

في كافة أنحاء سوريا المقسمة بين ثلاث حكومات غير متوافقة يكون "محظوظاً" من يتقاضى راتبه بالعملة الصعبة.

وبينما يعتمد السكان في مناطق النظام على الأموال المتدفقة من الحوالات المالية التي يرسلها من يعيشون خارج البلاد من أقاربهم ومعارفهم، تعتبر الفصائل والمنظمات الإنسانية هي المصدر الرئيسي للحصول على "دخل ما" بعملات أخرى غير العملة المحلية، مثل الدولار واليورو والريال السعودي والليرة التركية، في محافظة إدلب.

يقول "محمد" (مهجر دمشقي يعيش في إدلب) إنه لم يتأثر بموجة الغلاء الحاصلة نتيجة اعتماده على الدولار في الحصول على دخل محدد كل شهر. "ما أشتريه من بضاعة يحسبونه بالدولار وأدفعه بالدولار أو بالليرة، هذا غير مهم!، فليس هناك فرق في القيمة بالنسبة لحالة كحالتي".

ومثل "محمد"، يعتمد سوريون في مناطق سيطرة النظام على حوالات مالية من أقاربهم في الخارج، ويتمكنون من تسلمها عبر مكاتب أو شبكات صرافة، منتشرة في معظم المدن والبلدات. وتُسلّم الحوالات المُحولة بعملات أجنبية، بسعر السوق السوداء. وهذه الفئة لا تعاني من أعراض ارتفاع الدولار، معيشياً.

12 دولار راتب أسبوعي

لكن مقابل ما سبق، هناك شريحة واسعة لا تتعامل بالعملات الأخرى سوى في شراء البضائع (بشكل معنوي في دمشق ومادي في إدلب) من المتاجر المختلفة التي يواظب أصحابها على متابعة نشرة أسعار العملات لحساب قيمة البضائع التي يبيعونها.

يقول "مروان" إنه كآلاف العاملين في إدلب يتقاضى راتبه الأسبوعي بالليرة السورية.

"9 آلاف ليرة أسبوعياً (12.3 دولار).. هذا مبلغ لا يكفي لشراء الخبز والخضار"، يتابع مروان.

وبينما يمتنع عن شراء اللحوم والفاكهة والملابس الجديدة يعتمد مروان على الخضار والخبز والحبوب مثل البرغل والعدس والرز لتصنيع وجبات الطعام في حين يكون سوق البالة هو الوجهة الأساسية لشراء الملابس.

في دمشق لا يختلف الأمر إلا بالفارق الهائل بين رواتب الموظفين وأجور العمال وبين أسعار المشتريات المتصاعدة باستمرار.

تقول "اعتماد" التي تقطن في حي المهاجرين بدمشق "الراتب التقاعدي لزوجي يبلغ 49 ألف ليرة وللحصول على معيشة مقبولة ينبغي أن يتضخم هذا المبلغ عدة أضعاف.. وهذا أمر مستحيل".

تدفع "اعتماد" مبلغ 9 آلاف ليرة ثمناً لكيلو واحد من لحم الخاروف. وعليها دفع مبالغ تتراوح بين 200 وحتى 400 ليرة لشراء كيلو واحد من الخضار المتنوعة كالبندورة والبطاطا والخيار والليمون.

تختلف المنطقتان (إدلب ودمشق) في كثير من الفوارق المهمة لكنهما في المقابل، تتفقان في اعتياد السكان على صورة نمطية واحدة.. مشهد التاجر النظيف الثياب ممسكاً حاسبته الآلية أو جهازه المحمول، وهو يحسب ثمن السلعة ضارباً إياها بالدولار، بينما يقف "المواطن المعتر" أمامه واضعاً يده في جيبه، متحسساً نقوده، التي ربما لن تكفي لشراء السلعة، أو تكاد.


ترك تعليق

التعليق