قصص من حياة بعض السوريين في الشمال


مع دخول فصل الشتاء، حيث الليل الطويل القارس، قرّرت "أم محمد" القاطنة بالقرب من مُخيمات باب السلامة بمنطقة إعزاز، شراء حطب التدفئة لتخفيف البرد عن أطفالها الثلاثة الذين فقدوا والدهم في معارك الغوطة الشرقية عام 2015.

كان سعر كيلو حطب التدفئة قبل شهرين بحوالي 30 ليرة سورية، فضّلت التريث قليلاً لعل السعر ينخفض بحيث تشتري كميةً تكفيها طيلة فصل الشتاء. لكن صدمتها كبيرة حين علمت أن سعر الكيلو الواحد وصل لأكثر من 80 ليرة سورية.

تقول "أم محمد" إنّها استطاعت، بصعوبة بالغة، تأمين ثمن 500 كيلو حطب حين كان سعره 30 ليرة، لكن الآن، أصبح ذلك حلماً مستحيلاً، ولم يتبق أمامها سوى شراء كمّية من البلاستيك للتدفئة بها، مثلما فعلت العام السابق، حيث كان عامها الأول بعيدةً عن منزلها.

الشاب "غياث" يبلغ من عمره 31 عاماً، متزوّج ولديه طفلتين، ينحدر من منطقة القلمون الشرقي، يعيش حالياً في مخيّمات منطقة "قاح" على الحدود "السورية - التركية" في ريف ادلب، نجح خلال فصل الصيف بتأمين عمل في مجال الإنشاءات بمرتب يومي 3000 ليرة سورية.

يقول إنّ تكاليف المعيشة المُرتفعة لم تسمح له بتوفير أي مبلغ من راتبه ليعيش منه خلال فصل الشتاء حيث أيّام العمل تتقلّص شيئاً فشيئاً مع بدء موسم البرد، الأمر الذي جعله في حالة عجز لا يُحسد عليها، حيث اعتادت طفلتاه على نمطٍ مُعيّنٍ من المعيشة بعد حرمانٍ تعرّضت له كُلّ العائلة لفترة طويلة.

"عبد الرحمن"، ناشط في المجال الإنساني، قال لـ "اقتصاد" إنّ عدد المخيّمات في الشمال السوري وصل لأكثر من 1300 مخيم، تزداد بشكلٍ كثيف جرّاء استمرار العمليات العدائية الصادرة عن نظام الأسد وحليفيه "الروسي والإيراني"، في محافظة إدلب كاملةً وريف اللاذقية.

وأشار عبد الرحمن أنّ كافّة جهود المنظمات الإنسانية لا تكفي لعون الجميع، فعدد المُهجّرين من المحافظات السورية والنازحين مُؤخّراً من ريف حماه الشمالي وجنوب إدلب قد يصل إلى 2 مليون إنسان، الأمر الذي يحتاج إلى إمكانيات دول.

حطب التدفئة -حديث الناس- خارج قاموس حياة "أم وجدي"، التي تعيش في منزلٍ صغيرٍ غير مكسوٍّ بمنطقة عفرين، إذ أنّ الوسيلة الوحيدة لتدفئة أبنائها الأربعة في شتاء العام الماضي كانت الأغطية المُقدّمة لها كمساعدات إنسانية.

اعتقل نظام الأسد زوجها في أحد الحواجز بمحيط مدينة الكسوة في ريف دمشق عام 2012، كانت تعيش هناك حتّى العام الماضي مع عائلة زوجها الذين قرّروا البقاء في منطقتهم والخضوع لما سُمّي بـ "المصالحة"، وأصبحوا بعد ذلك في عداد المفقودين.

 بعد تهجيرها من الغوطة الغربية واستقرارها في المكان الجديد، قدّم لها أهل الخير بعض المواد المنزلية كـ "براد وتلفاز وطاولة وخزانة وبعض الفرش"، لكنّها سُرعان ما عرضت مُعظمها للبيع لغاية تأمين الطعام جرّاء بيعها سابقاً صناديق الأغذية "المساعدات" لشراء دواء طفلها الأصغر.

صاحب متجر لبيع وشراء المواد المنزلية المستعملة في ذات المدينة عرضت عليه إحدى العائلات منذ عدّة شهور غسالة "حوضين" بمبلغ 20 ألف ليرة سورية، ذهب ليُعاين الغسالة، أصابته الدهشة حين شاهد طفلين مُعاقين بثياب مُتّسخة، دفع ثمن الغسالة التي لا تُساوي ثُلثي ما طلب عارضها، وسأل "كيف ستغسلون ثياب أطفالكم؟"، فكان الجواب، "هذه آخر وجبة غسيل نضعها في غسالة ومن ثمّ نغسل بأيدينا كما حال أكثر الناس في المُخيّمات". حتّى اليوم تُحاول العائلة البائعة تسليمه ما اشتراه، إلّا أنّه مُتردّدٌ في الاستلام.

في "مخيم الصداقة" بالقرب من "مدينة صوران - شمال حلب"، أوجز شابٌ مُهجّرٌ من منطقة جنوب دمشق كلامه قائلاً: "تخيّل نفسك تعيش في خيمة قُماشية بعيدة عن المدن المأهولة، لا عمل تلجأ إليه، الجو صقيع، لا تستطيع حفر (جورة فنية) بالقرب من خيمتك، تبعد عنك الحمامات بين 50 و 100 متر، وتحتسي (المتّة) إدماناً لأنّها أرخص المشروبات المُتوفّرة في الأسواق".

الناشط الإعلامي "عصام" أو كما يُطلق عليه عرفاً بـ "المواطن الصحفي"، غطّى الأخبار الإنسانية والعسكرية وانعكاساتها على المدنيين في "محافظة درعا - جنوب سوريا"، لسنواتٍ طِوال، وكان مصدراً رئيسياً بالنسبة للكثير من وكالات الأنباء والمؤسسات الإعلامية والبحثية. فقدَ عمله بعد التهجير منتصف العام الماضي. لم يقنط من البحث بصفحات فرص العمل في وسائل التواصل الاجتماعي مع إدراكه لعدم "مصداقية إعلانات المنظّمات"، مُحاولاً قنص فرصته من مشاريع دعم سبل العيش شبه المفقودة أو الإغاثة التشغيلية النادرة.

تحتاج الأسرة السورية شهرياً لحوالي 500 دولار أمريكي وفقاً لمراكز دراسات اقتصادية عديدة منها المكتب المركزي للإحصاء أحد دوائر نظام الأسد، وبحسب بيان الأمم المتحدة لعام 2019 فإن 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وفاقدين للأمن الغذائي، كما يحتاج 11.7 مليون إنسان للمساعدات الإنسانية كالـ "غذاء – مياه – مأوى – صحة – تعليم"....

ترك تعليق

التعليق