نساء إدلب يتعلمن ميكانيك السيارات للتغلب على الصعوبات والطوارئ


أمام الغطاء الأمامي للسيارة، تقف الأربعينية النازحة "أم محمد"-اسم مستعار- متفحصة أجزاء المحرك وزيت الفرامل، وجهاز التبريد، وزيت توجيه السيارة، وماء الزجاج، ومستوى زيت المحرك، كتطبيق عملي للمعلومات النظرية التي تلقتها للتو في دورة ميكانيك وقيادة السيارات، وهي الدورة الأولى من نوعها في المناطق المحررة.

 وتضمنت الدورة المجانية التي نظمها مركز "عبقري" في مدينة الدانا بريف حلب، وأشرف عليها المدرب" "ماهر بولاد"، تدريباً نظرياً وعملياً في مجال التعامل مع أعطال السيارات والطوارئ التي تواجه المرأة السائقة في تعاملها اليومي مع مركبتها.

 وروى المدرب بولاد لـ"اقتصاد" أن فكرة الدورة جاءت من حاجة محافظة إدلب لمثل هذه الدورات وخصوصاً في مجال الميكانيك وقيادة السيارات والإشارة الطرقية وأفضلية المرور.

 وأضاف محدثنا أن الفكرة من الدورة كانت في البداية قيادة السيارات والمرور، وعلامات الإشارات التحذيرية الموجودة في السيارة، والعلامات المرورية وقوانين السير وأفضلية المرور، وخطوات قيادة السيارة.

 ولفت بولاد إلى أنه بدأ بتجهيز حقيبة تدريبية وعرض الفكرة على مركز "عبقري" للتأهيل المهني في الدانا بريف حلب، الذي رحب بالفكرة ووافق عليها، على أن تشمل الفكرة الإناث.

 وتم الإعلان عن الدورة، ووضع محاور التدريب المجاني، لكسب أكبر عدد ممكن من الحضور، نظراً لحاجة المجتمع المحلي لمثل هذه الدورة، فالكثير من المناطق المحررة-حسب قول "بولاد"- تعيش إهمالاً لهذا الأمر، فمنذ بداية الحرب لا أحد فيها يعرف ما هي إشارات المرور أو العلامات الطرقية أو قوانين السير مما يكلف حوادث وضحايا وأعباء في إصلاح الآليات.

 وشهدت الدورة المخصصة للإناث، كما يؤكد المدرب بولاد، إقبالاً كبيراً منهن، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها أهالي إدلب وريفها في ظل الأجواء المناخية وارتفاع سعر الدولار وانقطاع المحروقات بشكل عام.

تضمنت الدورة التي استمرت لثلاثة أيام في مدينة الدانا، إعطاء معلومات بسيطة للمتدربات لمحاولة الإستغناء عن الآخرين في حل بعض المشاكل التي يمكن أن تعترضهن في الآلية بشكل عام.

 ونوّه بولاد إلى أنه لم يتوسع كثيراً في المعلومات بالنسبة للإناث كما بالنسبة للذكور، ومع ذلك تطلب الأمر منه شرحاً أكثر استفاضة حول المبادىء العامة، وكيفية عمل المحرك وماهو الدبرياج وعلبة السرعة، وما هي علبة السرعة الأوتوماتيكية مثلاً، وكيف يمكن تزويد السيارة بماء التبريد وفحص الزيت، وكيف يتم توليد الكهرباء في المركبة، ووظيفة الدبرياج ودارة تشغيل المحرك وتزييته، وهذه المعلومات تجعل من قيادة السيارة-بحسب بولاد- أبسط، وهذا ما شجع السيدات على الإقبال على التدريب ومحاولة تلقي معلومات أكثر وخاصة أن المرأة السورية عملت وأثبتت جدارة في كل ميادين الحياة والعمل.

 وتابع المصدر أن "هناك مفاهيم في الميكانيك لم يكن لدى النساء المشاركات دراية بها وعندما اطلعن عليها انبهرن بها ولم يتوقعن أن يتضمن الميكانيك كل هذه التفاصيل والمعلومات المتعلقة بالسيارة".

وتم تقسيم الدورة -بحسب محدثنا- إلى قسمين، قسم مبادىء ميكانيك السيارات وقسم قيادتها وقوانين السير وأفضلية المرور والعلامات المرورية وخطوات قيادة السيارة، بشكل مبسط، مع عرض لقطات توضيحية على "البوربوينت" - برنامج عرض الشرائح-.

 وكشف محدثنا أن النسوة اللواتي تواصلن مع منظمي الدورة كن بحدود الـ 40 سيدة وفتاة، ولكن الفترة المحددة للتدريب حالت دون مشاركة النصف منهن بسبب ظروف عملهن.

 وهناك –كما يضيف- فكرة لإقامة دورة ثانية، لاستيعاب باقي الإناث اللواتي لم يلتحقن بالدورة الأولى.

بعد الانتهاء من التدريب النظري تدربت المشاركات على سيارة تابعة لمركز "عبقري" بشكل عملي مباشر، لتكون الصورة واضحة لهن.

 ونوّه المصدر إلى أنه يبحث دوماً عن مشاريع تدريبية غير مكلفة تتعلق بالجانب النظري الذي لا يكون كافياً لايصال المعلومات عادة، ويطمح -كما يقول- إلى إنشاء مركز كبير يتيح التدريب العملي في عدة اختصاصات كالميكانيك والآلات والكهرباء، وخاصة أن التدريب ينقسم-حسب قوله- إلى سمعي وبصري وحسي.

 وأكد بولاد أن أغلب المناطق المحررة تفتقر إلى مدارس تعلم مبادىء القيادة السليمة في ظل وجود بنية طرقية سيئة وافتقار شديد للخدمات وإشارات المرور والإشارات الطرقية، مما يؤدي إلى حوادث مرورية لا تُحمد عقباها.

 ولفت بولاد إلى أن كل المتدربات ليس لديهن شهادات سواقة وهذا الأمر كان أحد الأهداف المستقبلية للمشروع، أي العمل على منح شهادات سواقة معترف بها، ولكن ذلك يتطلب بياناً من الجهة المسؤولة عن المنطقة.

ودرس "ماهر بولاد" في معهد ميكانيك بمدينة حلب وسنة أولى في الهندسة الزراعية وعمل قبل تهجيره من حلب في شركات صناعية عدة هناك، وبعد دخول المنظمات التعليمية والإغاثية والإنسانية إلى حلب بداية الثورة خضع للعديد من الدورات في مجال حماية الطفل في حالات الطوارئ، ومهارات التواصل الاجتماعي وطرق التعليم.

وبدورها عبّرت "غيثاء نعساني"، إحدى المشاركات في الدورة والحاصلة على شهادة كيمياء تطبيقية حيوية، في تصريحات لـ"اقتصاد"، عن سعادتها بالاشتراك في هذه الدورة التي تُقام للمرة الأولى في المناطق المحررة. وجاء حماسها للمشاركة -كما تقول- لأنها مقبلة على شراء سيارة وبحاجة للمعلومات المعطاة.

 وكشفت غيثاء أنها لم تتردد في التسجيل في الدورة فور علمها بتنظيمها ولم تخبر أهلها إلا بعد التسجيل حيث لم يمانعوا-كما تقول- ولكنهم ضحكوا من غرابة الفكرة غير المسبوقة، مضيفة أنها استفادت كثيراً من المعلومات النظرية والعملية التي تلقتها مع رفيقاتها. وعلى كل شخص لديه معرفة وشهادة في السواقة-كما تقول- أن يخضع لمثل هذه الدورة المفيدة وعلى النساء اللواتي يخجلن من إعلان رغبتهن بتعلم قيادة السيارات خوفاً من المجتمع المحيط أن يشاركن بمثل هذه الدورة فالكل معرض لأي حادث أو طارىء أو نزوح.

ولفتت الحقوقية وأمينة سر لجنة حماية الطفولة في مدينة الدانا، "حلا ابراهيم"، إحدى المتدربات، إلى أن هذه الدورة كانت ضرورية ومفيدة جداً وخاصة بالنسبة للنساء في المناطق المحررة حيث تمكنهن من معرفة أعطال السيارة وما يطرأ عليها وأين يوضع البنزين وكيف ومتى نتحكم بمانع التجمد وتركيب الغيارات والتحكم بالسرعة بحسب طبيعة الطريق.



ترك تعليق

التعليق