"نبع السلام".. تلم الشمل في مكان، وتُشتت في آخر


بعد جهدٍ كبيرٍ، وبرحلةٍ استغرقت أكثر من 24 ساعة، وصلت "أم أحمد"، الطاعنة في السن، منذ ثلاثة شهورٍ، إلى منطقة ادلب المحرّرة من سطوة نظام الأسد، للقاء ابنتها الأكبر، الّتي هُجّرت في الربع الأول من العام الماضي 2018، من مسقط رأسها في ريف دمشق، جراء رفض زوجها الخضوع لما سُمّي بـ "المصالحة الوطنية"، بضمانةٍ روسية.

المستجدات الأخيرة التي أصابت كافّة مناطق الشمال السوري المُحرّر والمُحيطة به، باختلاف القوى المُسيطرة، دفعت "أم أحمد"، مُجبرةً، لتعديل مدّة زيارتها التي كانت مُقرّرةً لشهر واحدٍ لا أكثر، نظراً، لأنه لديها زوج وأبناء آخرون بانتظارها، وفقاً لما قالته لـ "اقتصاد".

365 ألف سوري، عادوا طوعاً من تركيا إلى "شمال شرق سوريا"، منذ انطلاق عملية "نبع السلام" في منتصف الشهر العاشر من هذا العام، والتي تستهدف إبعاد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" عن الحدود "السورية - التركية" وإنشاء منطقة آمنة، بحسب ما كشفه الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في خطاب المجمع الرئاسي بالذكرى السنوية الـ 81 لوفاة مؤسس الجمهورية التركية.

ذات العملية عكست آثاراً سلبية تضرّر منها مدنيون يعيشون في المناطق المُحررة "ادلب - الباب - جرابلس - اعزاز - عفرين - أريافها"، إذ أنّ "معبر التايهة" المُخصّص لعبور المدنيين الفاصل بين مناطق سيطرة "قسد" ومناطق سيطرة "نظام الأسد" في شمال حلب، أُغلق بعد حضور قوات النظام إلى "مدينة منبج"، جرّاء اتّفاقٍ بين الجانبين، دون إقرار أفق زمني لإعادة تفعيل المعبر، بحسب ما أكّده لـ "اقتصاد"، "أبو فادي"، صاحب مكتب للسفريات في محافظة ادلب.

وأضاف "أبو فادي" أنّ اغلاق "معبر مورك" في "ريف حماه الشمالي" منذ أكثر من عام ونصف تسبّب بمباعدة المسافات وتضاعف أجور المواصلات، حيث تستغرق رحلة المسافرين أكثر من 24 ساعة، ويتكبّدون لقاء ذلك في الحدود الدُنيا وباختلاف التسعيرة من مكتبٍ لآخر، حوالي 40 دولار أمريكي، "ذهاباً أو إيّاباً"، يدفع المكتب منها نحو النصف لحواجز النظام في الطرقات، والّذي يمنع عبور كُلّ من قيوده "دمشق وريفها"، ويُضيّق عليهم.

وأشار "أبو فادي" أنّه بسبب انعدام البدائل يقوم بعض الناس نظراً لحاجتهم الماسة للسفر بمحاولة إغراء أصحاب المكاتب بمبالغ أكبر في اعتقادٍ منهم أنهمّ شركاء بتوقيف الطريق لابتزازهم مادّياً.

"أم أحمد" أشارت أنّها استعانت بهوية سيّدة شبيهة لها تنحدر من محافظة حلب، الأمر الذي سهّل عليها السفر من ريف دمشق إلى ادلب، وأشارت أنّ إحدى قريباتها تكبّدت أكثر من 200 دولار أمريكي لعبورها الحواجز ببطاقتها الشخصية الحقيقية.

وأضافت أنّ رحلتها بدأت من كراج الحافلات وسط دمشق إلى "معبر التايهة" في محافظة حلب الفاصل بين نظام الأسد و"قسد"، ثُمّ الدخول إلى مدينة منبج، وبعدها العبور من "معبر عون الدادات" الفاصل بين "قسد" والمعارضة السورية، ثُمّ المرور بمدن الباب وإعزاز وعفرين، ثُمّ إلى محافظة ادلب ذات السيطرة الأُحادية لـ "هيئة تحرير الشام".

أعلن "الجيش الوطني" مُؤخّراً تفعيل معبر أبو الزندين الفاصل بين قواته وقوات نظام الأسد في ريف مدينة الباب شمال حلب لغاية عبور المدنيين بعد تضييق "قوات قسد" على "معبر عون الدادات"، إلّا أنّ حركة عبور المدنيين ما زالت شبه معدومة حتّى الآن.

"إبراهيم" شاب في عمر الثلاثين، يعيش في مدينة اعزاز، كان محروماً من زيارة مسقط رأسه "مدينة تل أبيض" في ريف محافظة الرقة، انتهز فرصة انطلاق معركة "نبع السلام" ودخل إلى مدينته برفقة مقاتلي الجيش الوطني مُلتقياً أهله بعد فراق لثلاث سنوات بسبب ورود اسمه في لوائح المطلوبين لدى "قسد"، بحسب ما قاله لـ "اقتصاد".

يبلغ عدد المُهجّرين في المناطق الخارجة عن سطوة نظام الأسد في "شمال سوريا" حوالي مليون إنسان، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، ومليون ونصف إنسان بحسب بيان فريق "منسقو الاستجابة" نهاية العام 2018، أكثرهم فقد الأمل بالعودة إلى منطقته التي يرتبط بها من خلال العائلات والأقارب والذكريات، ولا يستبعدون أن تُفرض على عائلاتهم في المستقبل القريب تأشيرة عبور أو فيزا رسمية للتنقل في الجغرافيا السورية.

ترك تعليق

التعليق