قصص لمشاريع صغيرة.. أطاحت بها هستيريا السوق


استأجر دكانةً صغيرةً لمدّة ستة شهور بمبلغ 150 دولار، اقتنى ماكينةً صغيرةً منزليةً لتحضير القهوة الجاهزة "اكس برس" وجهازاً متواضعاً لتوليد الطاقة الكهربائية بمبلغ 250 دولار، بعد أن استدان مبلغ 500 دولار أمريكي منذ نصف عام لتأسيس مشروع يستطيع من خلاله تأمين قوت أطفاله الثلاثة، وباقي المبلغ اشترى به لوازم القهوة وعلب السجائر المتنوّعة. لكنّه عاجز اليوم عن سداد دينه.

"أبو وليد"، يبلغ من العمر 55 عاماً، مُهجّر من منطقة القلمون بريف دمشق إلى شمال حلب، يحكي لـ "اقتصاد" قصته.. سار العمل على قدمٍ وساق في بدايته، سعر الدولار بنحو 500 ليرة سورية، اعتاد شراء مستلزمات متجره الصغير بسعرٍ مُوحّد، إلّا أنّ موجة انخفاض سعر الليرة قبل ثلاثة شهورٍ عصفت بنسبةٍ كبيرةٍ من رأس ماله البسيط، إذ أنّ الدولار الأمريكي الواحد تجاوز حاجز 650 ليرة لأول مرّة، ارتفعت أسعار القهوة وعلب السجائر وكافّة مستلزمات العمل لدى تجّار الجملة، وبقيت مُحافظةً على سعرها نسبياً أمام المستهلك، أسبوعٌ واحدٌ وارتفع سعر الليرة الى 550 مقابل الدولار، وانخفض سعر علب السجائر، فنفذ رأس ماله، وحافظ على مستلزمات ماكينة القهوة.

في انخفاض الليرة الأخير فقدَ كامل رأس المال، إذ يشتري كيلو القهوة الواحد بسعر 3600 بعد أن كان بـ 2400 ليرة، ويشتري ليتر البنزين بـ 700 بعد أن كان بسعر 500 ليرة، كما ارتفعت عليه أسعار الأكواب المصنوعة من الكرتون، فيما بقي سعر فنجان القهوة على حاله بسعر 100 ليرة سورية.

انخفضت قيمة الليرة السورية تدريجياً منذ شهر لتتجاوز 900 ليرة للدولار الأمريكي الواحد باختلاف الأسواق السورية التي دخلت في حالة هستيرية غير مسبوقة في سعر صرف العملات وأسعار المواد الغذائية الأساسية والأدوية. ويستمر السوق في تخبّطه إثر مخاوف انخفاض الليرة أكثر من ذلك.

في محافظة السويداء جنوب سوريا، يعمل الشاب "فراس" بتجارة الألبسة الأوروبية المستعملة "البالة" برأس مال ألف دولار أمريكي، فقد نصفها جرّاء فوضى سوق صرف الليرة السورية، وفقاً لما قاله لـ "اقتصاد".

وأشار أنّه يشتري صندوق الألبسة بمبلغ 100 دولار من تجّار الجملة، بينما يبيعها هو بالليرة السورية، ويُحقّق أرباحه في مواسم الشتاء والصيف والأعياد، وبين ليلةٍ وضحاها انخفض سعر الليرة أكثر من الثُلث، والمبلغ الّذي يدّخره لشراء 5 صناديق ألبسة تدنّت قيمته، وبات لا يكفيه لشراء أكثر من ثلاثة صناديق، ويكون بذلك قد عمل بالمجان لأربعة شهور.

إضافةً إلى انخفاض سعر الليرة فُقدت المحروقات من الأسواق الرسمية لا سيما المازوت والغاز بسبب زيادة الطلب عليها لاستخدامها في التدفئة وسط مخاوف من فقدانها بشكلٍ أكبر، وبات من الصعب الحصول عليها وشرائها إلّا من الأسواق السوداء.

"رامي" صاحب مطعم فلافل "شعبي" في مدينة حمص، يرى أنّ معاناته مضاعفة، فأسعار مبيع المواد بـ "المُفرّق" للمستهلك لم ترتفع مقارنةً بارتفاع أسعار مستلزمات المهنة كالـ "الزيت والطحينة والحمص"، إضافةً لشراءه اسطوانة "الغاز" الواحدة بأكثر من 9 آلاف ليرة من السوق السوداء، كما ارتفعت عليه تسعيرة آمبيرات الكهرباء إلى 12 ألف ليرة شهرياً لساعاتٍ معدودة عوضاً عن 9 آلاف، ناهيك عن أجرة المحل المُرتفعة والّتي تزداد كُلّ ستة شهور وفقاً لتسعيرة الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية المتدهورة.

يوماً بعد الآخر تتفاقم الأزمات، ترتفع أسعار المواد الرئيسية وتدخل الأسواق في فوضى البيع والشراء وتفضيل الاحتكار، يُضاف إليها مخاوف آثار قانون العقوبات "قيصر"، مع استمرار نظام الأسد ببث الشائعات والأكاذيب التي يتأثّر منها سلباً مؤيّدوه قبل معارضيه.

ترك تعليق

التعليق