بين "سوتشي" قديم وآخر جديد.. هذا ما تريده روسيا من إدلب


بعد خسارة المعارضة لمدينة خان شيخون وريف حماة الشمالي سابقاً، وريف المعرة الشرقي وربما المعرة نفسها لاحقاً، بات الحديث عن اتفاق سوتشي الذي أعلن عن المذكرة الأساسية له في 17 أيلول 2018؛ ضرباً من الخيال.

ومن المتوقع إذا استمر التغاضي التركي عن الحرائق التي يشعلها الحليف الروسي في المنطقة أن يسدل الستار تماماً على كل البنود التي تم الإعلان عنها سابقاً والتي تجنب إدلب مجموعة من الكوارث تتعلق بالنزوح والقصف، والمزيد من الضحايا.

تشكل إدلب وفقاً لمؤتمر "أستانة" الذي انعقدت أولى جلساته بداية العام 2017، منطقة خفض التصعيد الرابعة. ومن بين المناطق السابقة التي ضمنها ثلاثي أستانة كمناطق تخفيف توتر؛ وحدها إدلب اختصت باتفاق ينص على إنشاء منطقة عازلة على نقاط التماس مع النظام وتسيير دوريات روسية-تركية وفتح طريقي ترانزيت دوليين. وهكذا ولد اتفاق سوتشي.

لكن العديد من المراقبين والنشطاء باتوا يشككون في إمكانية استمرار مثل هذا الاتفاق بعد الخروقات الكبيرة والمتكررة لروسيا التي شنت منذ رمضان الفائت معارك عديدة قضمت من خلالها مناطق واسعة جنوبي آخر جيب للمعارضة، وآخر منطقة خفض تصعيد.

توقيع سوتشي والإعلان عن منطقة عازلة في 17 أيلول 2018 حفّز مشاعر السكان على إمكانية أن تكون ادلب مختلفة عن سابقاتها. مصير درعا والغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي كان مختلفاً حقاً.. إذ تعامت روسيا عن الهدنة التي أعلنت بموجب أستانة وسيطرت مع النظام على هذه المناطق كاملة، واحدة بعد الأخرى.

سوتشي يتهاوى

على الطريق الدولي دمشق-حلب (m5) يتقدم النظام وروسيا بقوة كبيرة. القوات المحمية بالطيران الروسي حاصرت أكثر من مرة نقاط مراقبة تركية. وقعت فصائل المعارضة في ورطة، فسوتشي لا يعني التقدم البري للروس أو النظام. في المقابل لم يكن هناك أي فيتو تركي ضد العمليات البرية الناقضة للاتفاق.

تركيا بدأت بالتماهي مع حليفها الاستراتيجي "روسيا" منذ العملية الأخيرة التي اندلعت شرقي الفرات والتي استهدفت عدواً كردياً يثير المتاعب على الحدود الجنوبية لتركيا.

وتصريح الرئيس التركي رجب طيب آردوغان كان مثيراً للاستياء عقب العملية، فقد أكد أن وجود النظام على الحدود أفضل من وجود "قوات سوريا الديمقراطية".

الطريقان-اللعنة

مع تفريغ عدد من المدن الإدلبية على طريقي دمشق-حلب، واللاذقية-حلب، من السكان، نتيجة القصف الروسي، بات من الواضح أن هذين الطريقين يشكلان هدفاً عسكرياً لروسيا الطامحة إلى فك الحظر الاقتصادي عن النظام. هذا الطموح جعل الأمان يغيب عن آلاف السكان القاطنين في مناطق قريبة.

عندما سيطر النظام على خان شيخون وهي آخر مدينة تابعة لإدلب في الجنوب، تمكن من التمركز على نقاط هامة على الطريق الدولي القادم من حماة والمتجه نحو حلب.

توقف القتال عدة أشهر ليستأنف مؤخراً بفتح محور ريف معرة النعمان الشرقي، وهي منطقة سهلية يصعب تمركز قوات المعارضة فيها.

باتت معرة النعمان، وهي ثاني مدينة إدلبية كبيرة على الطريق، مهددة بالاجتياح في أي لحظة.

هل سيقف الأمر عند هذا الحد؟ ربما لا..

فعلى الأرجح سيشعل النظام جبهات جديدة على طول الطريق الدولي مثل جبهتي ريفي حلب الغربي والشرقي التي تعج أيضاً بنقاط مراقبة تركية "لا تقدم ولا تؤخر"، على حد تعبير السكان.

على الطريق الآخر (m4) يبدو النظام منهكاً في جبهة (كبانة) الجبلية والتي تبدو عصية على الآلة الحربية الروسية. في حال استمر التغاضي التركي عن العمليات الروسية من المتوقع أن يحاول النظام والروس اختراق هذا الطريق من محور آخر بدءاً من سهل الغاب باتجاه مناطق واقعة عليه مثل محمبل، لينعطف بعد ذلك: يساراً نحو جسر الشغور، ويميناً نحو أريحا، ثم تلتقي القوات المهاجمة في عقدة سراقب.

بهذه الطريقة تسقط جبال اللاذقية والأربعين والزاوية وشحشبو، دون قتال. وينحسر نفوذ المعارضة في جيب لا يتجاوز 3500 كم تقريباً يتمثل في إدلب المدينة والمناطق الواقعة في الشمال والشرق، وهذا ما يسبب الرعب لآلاف السكان.

عقدة تحرير الشام

تبدو هيئة تحرير الشام على دراية بالسيناريوهات المتوقعة لمستقبل الطرقات الدولية والجنوب الإدلبي. لكنها خائفة من أي تحركات معادية تستهدف معاقلها يكون مصدرها تركيا والجيش الوطني الذي يدير حتى الآن منطقة تتجاوز الـ 8500 كم شرقي وغربي الفرات.

حصّنت تحرير الشام نقاط تماسها مع عفرين التي يديرها الجيش الوطني جيداً، ولم تسمح للأخير بالدخول نحو إدلب للقتال على جبهة المعرة.

سيناريو قيام تركيا بعملية مشابهة لعملية درع الفرات لإنهاء تحرير الشام بات مطروحاً بكثرة بعد عملية نبع السلام.

لكنه ليس السيناريو الوحيد لحل ما بات يسمى "عقدة تحرير الشام" في إدلب. هناك احتمال كبير أن يتم إيجاد نسخة مطورة ومعدلة لهذا الفصيل الجهادي المتصف بالمرونة والبراغماتية وتطبيق نموذج حركة طالبان التي أدارت أفغانستان في الفترة الممتدة بين 1996 وحتى 2001.

تصعيد في 2020

لا يمكن للنظام حالياً أن يتوغل في كامل مناطق المعارضة التي يقع جزء كبير منها تحت إشراف تركي مباشر، كما حدث في درعا أو الغوطة الشرقية. تركيا تحاول الخروج بورقة سياسية تمكنها من اللعب بها خلال الانتخابات الرئاسية مطلع العام 2021.

كما أن القضاء تماماً على نفوذ المعارضة سيخلق مشكلة بشرية هائلة على حدود تركيا.

لذلك يبدو أن العام 2020 سيشهد تصعيداً كبيراً غربي الفرات لرسم خارطة جديدة للمنطقة يتقلص خلالها اللون الأخضر مقابل السماح لتركيا بتوسيع منطقة آمنة تعمل عليها شرقي الفرات. لتبدأ انتخابات 2021 بخارطة جديدة يكون النظام فيها صاحب النفوذ الجغرافي الأوسع لكن دون نفط أو قطن أو حبوب، وهنا ستلعب أمريكا بالورقة الرابحة (ورقة شرقي سوريا) لتعلن من خلالها: وقوفها إلى جانب الحل الروسي المتمثل في تطبيق اتفاق أستانة، أو معاداته، بعد سنوات من القتال والتفاوض وتبادل الخرائط ومواقع السيطرة.

ترك تعليق

التعليق