إدلب الآن: مجازر وقصف، وحياة طبيعية تتعكر لدقائق


في أول الشارع الرئيسي لسوق بنش شرقي إدلب، تجمهر السكان وفرق الإنقاذ لانتشال أربعة شهداء سقطوا نتيجة غارة حربية. بينما تنهمك مجموعة من عمال البناء -بعد عدة أمتار-، في كسوة أحد المتاجر.. في مشهد يلخص حالة اللامبالاة التي يعيشها زهاء 4 مليون نسمة في آخر جيب واسع تديره المعارضة شمالي البلاد.

وعلى الرغم من إعلان التهدئة في المنطقة من قبل روسيا وتركيا إلا أن المقاتلات الحربية التابعة لقوات النظام وروسيا سارعت لشن غارات جوية واسعة النطاق طالت مدينة إدلب ومناطق متفرقة جنوبي وشرقي المدينة. وذلك قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ.

وسقط أكثر من 15 شهيداً و70 جريحاً نتيجة هذه الحملة الموسعة.

وقالت وزارة الدفاع التركية يوم الجمعة إن وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد الرابعة سيبدأ عند حلول منتصف ليل الأحد.

حياة طبيعية

على الرغم من حالة الفزع بسبب القصف والتحليق المكثف للمقاتلات الحربية لا تبدو علامات التأثر واضحة على مجمل الحياة الاقتصادية والمعيشية للسكان.

ينتظر بائعو الخضار والمواد الغذائية في سوق سرمين ما تعلنه المراصد الخاصة برصد المقاتلات الحربية عن انتهاء عمل الـ(سو 24) الذي ألقى حمولته قبل قليل على المدينة، وعلى بلدة النيرب المجاورة، ليعودوا إلى متاجرهم كأن شيئاً لم يكن.

"الحربي.. انقلع الله لايردو"، يصدر الصوت عبر القبضة اللاسلكية التي يحملها معظم السكان مختلطاً بنفس عميق يطلقه التجار تعبيراً عن الشعور بالأمان مرة أخرى.

وعلى الرغم من التوتر الواضح بين السكان لاسيما في الأماكن المكتظة مثل الأسواق والساحات العامة بسبب القصف، لكن يبدو أن الحياة أقوى من جميع الترتيبات التي يخطط لها النظام وحليفه الروسي.

إذ ما إن يهدأ القصف حتى تسرع فرق الدفاع المدني إلى مكان الحادث وتنتشل الضحايا ثم يعود السكان إلى ممارسة حياتهم العادية.

"الحربي نفذ"

في أسواق إدلب يبدو المشهد مخيفاً أكثر. الجميع يحمل قبضات تكتظ من خلالها أصوات المراصد المنذرة بقدوم الطيران الحربي. الجميع ينظر نحو الأعلى مراقباً نقطة صغيرة بحجم الذبابة وهي "تلعلع في الجو". "الحربي تعدى أجواء الأربعين شمال شرق"، "إدلب.. الحربي في الأجواء، فضوا التجمعات".. "الحربي نفذ".. "مكان التنفيذ انتباه".

خلال دقائق التحليق والتنفيذ والإسعاف يستنفر السكان. لكن سرعان ما يعود التاجر إلى متجره وبائع الخضراوات إلى بسطته. ويعود الازدحام كما كان قبيل تنفيذ الغارة، معلناً عودة الحياة من جديد.

في بنش المفجوعة بامرأة وثلاثة أطفال، يجلس "محمد" أمام أحد محلات بيع الفلافل مقابل مشفى بنش، مزدرداً طعامه ببطء. يقول "كنت أنظر إلى طفلين قتلا نتيجة الضربة الأخيرة، وبينما كانوا يحملون الجثتين المضرجتين بدماء كثيرة أحسست بغصة في حلقي". سرعان ما نسي محمد الموقف أو تناساه -لا يدرك الأمر جيداً- وأكمل يومه بطمأنينة ربما تكون "مصطنعة".

ترك تعليق

التعليق