إدلب ليست مكاناً ملائماً ليعيش فيه الأطفال


عُثر على الطفلة أروى -قبل أيام- في إحدى قرى عفرين أقصى شمالي غربي سوريا، ميتة من البرد. ضاعت أروى (3 سنوات) خلال موجة النزوح الأخيرة من جنوبي إدلب بعد قدوم أهلها إلى عفرين، لتُشاهد بعد ثلاثين يوماً متجمدة من شدة البرد تحت أشجار الزيتون.

وتشير الحالات الكثيرة التي تنشر عبر الصحافة المحلية المعارضة ومراكز توثيق الانتهاكات حول أطفال ماتوا أو تعرضوا لإصابات أو غدوا بلا مأوى نتيجة الحرب المستعرة في إدلب، إلى أن هذا الجيب الأخير للمعارضة ليس مكاناً ملائماً ليعيش فيه الأطفال.

بداية العام الحالي وثقت شبكة أخبار إدلب، وهي شبكة محلية يديرها نشطاء، مقتل 420 طفلاً خلال العام 2019، بسبب القصف والتصعيد على محافظة إدلب التي دخلت منذ بداية العام 2017 ضمن اتفاق أستانة الرامية إلى ضمان خفض التصعيد والأعمال القتالية في إدلب.

في مناطق كثيرة في إدلب لاسيما في الريف الجنوبي، تغدو احتمالات التعرض لخطر الإصابة أو الموت كبيرة جداً. في شهر أيار الماضي وعقب اندلاع العمليات القتالية جنوبي إدلب وشمالي وغربي حماة، فقد 72 طفلاً حياتهم، بحسب شبكة أخبار إدلب.

حتى ينقذوا أطفالهم من الموت يلجأ المدنيون إلى النزوح من مدنهم وبلداتهم الأصلية إلى مناطق أكثر أمناً شمالي ووسط إدلب. رحلة النزوح بحد ذاتها تشكل عذاباً مريراً للأطفال بسبب تعرضهم للإصابة بأمراض مختلفة نتجت عن جلوسهم في العراء أو تحت أشجار الزيتون في انتظار العثور على مأوى.

تلعب "لمى" (6سنوات) خارج الخيمة بالطين وهي تضحك. لكن أسنانها كانت تصطك من البرد بسبب برودة الجو في المناطق الزراعية المحيطة بمدينة بنش شرقي إدلب، والتي لجأت إليها عشرات العائلات لإقامة مخيمات عشوائية مؤقتة.

كانت أرضية الخيمة مكونة من حصير بلاستيكي مثبت على التراب مباشرة. ما يجعل هذا المسكن المتواضع عرضة للغرق بمياه الأمطار في أي لحظة.

في منطقة مكتظة بالسكان وموبوءة بالحرب كإدلب، يعاني الأطفال بشكل متواصل. في ظل غياب المأوى والأمان لدى ثلث السكان تقريباً -حيث يعيش قرابة مليون شخص من أصل ثلاثة مليون في المخيمات-. هناك تفاصيل أخرى للمعاناة، تتعلق بالوضع الصحي والمعيشي.

في تشرين الثاني من العام الفائت طلبت "نورا" (11عاماً) من والدها شراء الحطب للتدفئة عوضاً عن الكرتون الذي كانت تستخدمه أسرتها خلال العام الماضي بسبب إصابتها بالربو. لكن نورا لم تعش حتى حلول فصل الشتاء إذ فقدت حياتها في 20 تشرين الثاني 2019 بعد استهداف مخيم قاح الذي تعيش فيه مع أسرتها بصاروخ بالستي مصدره قوات النظام.

يعاني أغلب أطفال إدلب من عدم حصولهم على تدفئة كافية. الجميع عرضة للبرد والمرض حتى أولئك الذين يعيشون في بيوت جيدة.

في هذا العام أدى ارتفاع أسعار المحروقات ومواد التدفئة الأخرى كالحطب والبيرين والفحم الحجري إلى اعتماد أغلب السكان على مواد غير صحية مثل الكرتون والأحذية المستعملة والملابس المهترئة، لتمضية فصل الشتاء.

وهذا ما جعل الأطفال عرضة للإصابة بأمراض عدة، كالربو والزكام وغيرها.

يضطر الكثير من الآباء نتيجة ارتفاع أسعار الملابس الجديدة إلى شراء ملابس البالة لأطفالهم. وبسبب غلاء مماثل في أسعار الأدوية يحاول الكثيرون تقنين شرائها من الصيدليات متغاضين عن الأمراض التي يصاب بها أطفالهم.

يقول "أبو أحمد" الذي يعيش في مدينة إدلب لـ "اقتصاد": "كل شيء باهظ الثمن نحن نحرم أطفالنا من أبسط متع الحياة".

لا يذكر أبو أحمد أنه اشترى ملابس جديدة لأطفاله الأربعة خلال السنتين الماضيتبن. يقول: "سوق البالة هو ملجئي لكسوة صغاري وهذا ما يصيبني بالإحباط ويحرق قلبي".

في 18 شباط من العام 2017 دوت صرخة الطفل "عبد الباسط الصطوف" ليسمعها العالم. وبينما كان الصطوف يصرخ بعد تهشيم قدميه بسبب قصف النظام على منزله بمدينة الهبيط بالعبارة التي هزت مشاعر الكثيرين حول العالم، "يا بابا شيلني"، كان آخرون في نفس عمره يصرخون صرخات مماثلة لنفس السبب دون أي تحرك فعلي لوقف المجازر واستهداف الأطفال في سوريا.


ترك تعليق

التعليق