وفق مرسوم للأسد.. كل من ينشر سعراً لليرة يخالف النشرة الرسمية، أصبح مُجرماً


لم يجد رأس النظام ومعاونوه وسيلة لضبط سوق الصرف التي أفلتت تماماً من قبضتهم، في الأسابيع القليلة الفائتة، سوى العودة إلى "العصا الأمنية"، لكن مع تدعيمها بمرسومين تشريعيين، ينص أحدهما على تجريم كل من ينشر أسعار صرف لليرة مخالفة لتلك المحددة بالنشرات الرسمية الصادرة عن المصرف المركزي الخاضع للنظام.

وأصدر رأس النظام، بشار الأسد، يوم السبت، مرسومان تشريعيان، لا يبدو الأول منهما مستغرباً كثيراً، مقارنة بالثاني، الذي يجعل نشاط تداول أسعار صرف العملات في سوريا، جُرماً، بصورة رسمية، بعد سنوات من اتهام مسؤولي النظام لمنصات رصد العملات، بالمسؤولية عن تدهور الليرة.

وينص المرسوم الأول الذي يحمل الرقم 3 لعام 2020، بتعديل مادة من مرسوم سابق صدر قبل 7 سنوات، يمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات.

ووفق المرسوم الجديد، شدد الأسد عقوبة المتعاملين بغير الليرة السورية، لتصبح السجن مع الأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن 7 سنوات، إلى جانب غرامة مالية تعادل ضعفي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة.

ناهيك عن مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لصالح مصرف سورية المركزي، وفق المرسوم.

كما لا يجوز إخلاء السبيل في جرائم التعامل بغير الليرة، وفق المرسوم الجديد، أيضاً.

وكانت عقوبة التعامل بغير الليرة، وفق النص القديم لمرسوم العام 2013، السجن بين 6 أشهر إلى 3 سنوات، وغرامة مالية تعادل مثلي المدفوعات على ألا تقل عن 100 ألف ليرة سورية، أو بإحدى العقوبتين فقط.

المرسوم الجديد، يكشف خشية النظام من فلتان السوق تماماً من قبضته لصالح حالة "دولرة" كاملة.

لكن المرسوم الثاني يمثّل سابقة أخطر، لجهة سعي النظام للقبض على سوق الصرف، والتحكم بها، وفق إرادته.

فالمرسوم الثاني، الذي صدر أيضاً، يوم السبت، ويحمل رقم 4 لعام 2020، يعدّل مادة قديمة من قانون العقوبات للعام 1949، وينص على معاقبة كل من يذيع أو ينشر أو يعيد نشر وقائع "ملفقة" أو "مزاعم كاذبة أو وهمية".. لإحداث تدني أو عدم استقرار في سعر صرف الليرة، بما يخالف "النشرات الرسمية".

أما العقوبة وفق المرسوم فكانت السجن (الاعتقال المؤقت)، دون تحديد مدة، إلى جانب غرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية.

وبكلمات أخرى، فإن كل من ينقل أو يتناقل أسعار للعملات في سوريا، تخالف الأسعار الرسمية الصادرة عن مصرف سورية المركزي، هو مجرم، وفق القانون، وبصورة رسمية، الآن.

وكان نص المرسوم واضحاً في الإشارة إلى منصات رصد العملات وصفحات التواصل الاجتماعي، حينما أشار إلى الوسائل المستخدمة في إذاعة أو نشر أسعار الصرف، بالعبارة التالية: "عن طريق الشبكة المعرفة بقانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012".

ونص المرسوم رقم 4 لعام 2020 على عدم جواز تطبيق الأسباب المخففة التقديرية على الجرائم المعاقب عليها في المرسوم. كما لا يجوز إخلاء السبيل، كذلك.

هذا يعني أن كل من ينشر سعراً للدولار، مقابل الليرة السورية، يخالف النشرة الرسمية، التي تقول إن الدولار بـ 434 ليرة، هو مجرم بنص القانون، الذي أصدره الأسد، ويجوز اعتقاله وسجنه، ومصادرة جانب من أمواله.

ويبدو أن النظام قرر استنفار أجهزته لاستعادة السيطرة على سوق الصرف، وقرر إطلاق يد الأجهزة الأمنية على التجار ورؤوس الأموال، بذريعة إنقاذ الليرة.

 واستبق النظام إصدار المرسومين ببيان صادر عن وزارة الداخلية، يطلب من السوريين التقيّد بعدم التعامل بغير الليرة السورية، كوسيلة للمدفوعات أو أي شكل من أشكال التداول التجاري، مع التأكيد على التشدد في ملاحقة المتعاملين والمتلاعبين بأسعار الصرف، وفق وصف البيان. مع الإشارة إلى تكثيف الدوريات لمراقبة الشركات والمحلات والأشخاص، لقمع هذه الظاهرة، وضبط المخالفين، وفق البيان نفسه.

وبعيد إصدار المرسومين، اجتمعت حكومة النظام، بحضور وزراء الداخلية والعدل والاقتصاد والإعلام، إضافة إلى مصرف سورية المركزي، لبحث سبل تطبيق المرسومين، مما يؤكد جديّة النظام في استعادة السيطرة على سوق الصرف.

 فيما يبقى السؤال، إلى أي مدى ستنجح "العصا الأمنية" هذه المرة، أيضاً؟

وطوال السنوات التسع الماضية، كانت "العصا الأمنية" أفضل أدوات النظام للجم تدهور الليرة، حينما كانت تطورات سوق الصرف، تخرج عن سيطرته. لكن، دوماً، كان تأثيرها مؤقتاً، من الناحية الزمنية، وسرعان ما يزول، لتعود الكلمة، لآليات العرض والطلب، وواقع الاقتصاد السوري، المتهاوي.

ترك تعليق

التعليق