نسخر من جوعنا.. هذه وجبتنا الممكنة


يتناول السوريون في الداخل مآسيهم المتوالية بكثير من السخرية المرّة، وباتوا يعبرون عن واقعهم الصعب بالعبث تارة، وبالشكوى الضاحكة مرة أخرى، فالبلاد التي استنزفت عن بكرة أبيها في حرب النظام الطاحنة لم تعد تقوى على منح أبنائها الحياة، وهذا ما تثبته الأرقام حيث وصلت نسبة البطالة إلى ما فوق 70% بينما ما يزال وسطي الدخل يحافظ على ما يقرب من 40 دولاراً شهرياً.

وصايا رب المنزل

تداول السوريون بالأيام القليلة الماضية منشوراً على "واتساب" يحمل مجموعة من الوصايا التي تعين على الصمود في وجه الغلاء وتقنين المصاريف إلى درجة كبيرة منها على سبيل المثال: "تسحب من التداول وتشطب من القاموس المنزلي المفردات التالية: سختورة- البصل المشوي- العسل- السمن العربي- مكدوس- لحمة- فروج- حلويات- جبنة ..".

كما شكلت في المنشور لجنة من الأب والأم تنظر في الاستثناءات مثل شرب الشاي أكثر من مرة: "يمنع شرب الشاي أكثر من مرتين في اليوم ويحق مرة ثالثة لمن يشرب بلا سكر شريطة الحصول على موافقة اللجنة المذكورة خطياً".


بيغازو.. والدجاجة المدللة

فقدان المواد الأساسية كالوقود وبعض المواد التموينية، وغلاء أسعار الكثير من السلع دفعا السوريين أيضاً إلى اطلاق تسميات جديدة على بعض هذه الحالات التي باتت جزءاً من حياتهم اليومية.

صورة لجمهرة على مركز توزيع الغاز حملت عنواناً عريضاً: "لوحة فنية للفنان السوري بيغازو"، وتحتها كتب: "حال المواطن السوري حالياً مثل سيخ الشاورما وجهه ع النار وضهرو ع السكين وقاعد ع الخازوق وعم يبرم حوالين حالو".

أما الدجاجة المدللة فانتشرت بينهم وعلى موبايلاتهم بعد غلاء سعر الفروج والبيض، ومناقب الدجاجة المدللة: "لو بتعرف الدجاجة أديش صار سعر كرتونة البيض لتصير تمشي ومعها مرافقين وبتحلف يمين ما بتبيض إلا بمستشفى خاص".


وجبتنا الممكنة

"فرزت.ع"، يعمل سائق تكسي بالعاصمة دمشق ومن سكان إحدى ضواحيها يقول في اتصال مع "اقتصاد": "نحن نضحك من جوعنا وعليه، لا يوجد سوري عايش غير اللصوص والفاسدين والشبيحة ومن يحمل السلاح، وأما بقية الناس فتعيش كل لحظة بلحظتها، والكثير من الفقراء اضطروا لبيع أنفسهم وشرفهم لكي يعيشوا".

أما عن حياته وطريقة تدبرها فقد أرسل صورة لوجبة الغداء التي حضرتها زوجته لعائلة تتألف من أم وأب وأربعة أطفال. يتابع: "هيك عايشين وهذه وجبتنا الممكنة، ونحن بألف خير.. غيرنا مولاقيها".

الوجبة التي ربما لا تعجب أحداً هي عبارة عن بطاطا مقطعة بالزيت والبقدونس وصحن لبن، وبحسبة بسيطة إذا كانت العائلة تحتاج إلى 2 كيلو بطاطا بسعر 400 ليرة للكيلو وباقتي بقدونس 150 ليرة وزيت نباتي 100 ليرة وكيلو ونصف لبن ثمن الكيلو 450 ليرة فهذا يعني تكلفة هذه الوجبة تتجاوز 1500 ليرة دون حساب ثمن الخبز الذي وصل وفق بعض الصفحات السورية 300 ليرة للربطة الواحدة خارج الفرن، وتباع من الفرن 50 ليرة إن استطاع المواطن الحصول عليها.

الواقع أقسى بكثير

"مصطفى.ح" مهندس كهرباء من سكان ريف دمشق الغربي يرى أن حياة السوريين أقسى من كل ما قد تكتبه وسائل الإعلام وما يكتبه المواطن على وسائل التواصل، والغلاء واحدة من مفردات الوجع التي يعاني منها السوري فلا كهرباء ولا دفء ولا أمان.

"أم محمد"، ربة منزل تقول لـ "اقتصاد": "كل يوم سعر جديد وكنا نقبل بخمسين ليرة زيادة على السلعة باليوم ولكن الزيادة أحياناً تصل إلى 200 ليرة، وهذا إن توفرت المواد وما احتكروها".


السخرية كإحدى وسائل الدفاع عن الحياة تبدو الخط الأخير الذي سينهار قريباً، ويأمل البعض في أن يتحول إلى ثورة جياع عامة تنقذ ما بقي من أحياء.

ترك تعليق

التعليق