الليرة عزنتا!.. والمتة تكشف مجدداً عجز نظام الأسد


تشهد الأسواق السورية منذ أيام فقداناً شبه تام لمادة المتة تزامناً مع ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية وعدم استقرار في المشهد الاقتصادي.

وعلى مدار السنوات التسع الماضية، كان التجار الكبار يحتكرون موادهم لأيام قليلة ومن ثم يطرحونها في الأسواق بسعر جديد ضمن عملية تدجين تقليدية اعتاد عليها المواطن السوري بحسب ما قاله لـ "اقتصاد"، السيد "شادي"، "بائع جملة" للمواد الغذائية في منطقة المزة 86 بالعاصمة دمشق.

وأضاف أن الشركة المستوردة لمادة المتة وموزعوها تأخروا هذه المرة برفع السعر قياساً بسعر صرف الدولار. لكنهم في الأيام القليلة الفائتة رفعوا السعر حوالي 35% مع تقديم ايحاءات بارتفاع أكبر في حال استقر سعر الدولار الأمريكي الواحد عند 1000 ليرة سورية.

 وأشار "بائع الجملة" أن سعر عبوة المتة بوزن 250 غرام قبل الانهيار الأخير للعملة المحلية كان بين 550 و 650 ليرة سورية، وارتفعت بشكل مباشر إلى ما بين 900 و 1000 ليرة سورية قبل توقف طرحها في الأسواق.

للخروج من عباءة وسطوة الشركة الخاصة المستوردة لمادة المتة وتغطية السوق وتخفيض السعر إلى النصف، نجحت وزارة التجارة وحماية المستهلك في نظام الأسد بالحصول على موافقة من وزارة الاقتصاد والتجارة الداخلية عام 2017 لاستيراد 15 ألف طن. لكنها فشلت في تأمين المادة ومنافسة المستورد.

وفي مطلع العام الحالي 2020 أصدرت ذات الوزارة ملحقاً لنشرة أسعار السلع والمواد التموينية من بينها مادة المتة التي تم تسعيرها بمبلغ 550 ليرة سورية، مُعلنةً توفرها في صالات المؤسسة العامة الاستهلاكية بسعر 390 ليرة فقط الأمر الذي نفته لـ "اقتصاد" جملةً وتفصيلاً، السيدة "هناء"، القاطنة في محافظة طرطوس.

حيث قالت إنّ الحملة الشعبية "بدنا نخليها بفرنك" التي بدأت مطلع الشهر الأخير من العام الماضي كان أهم أسبابها ودوافعها فقدان مادة المتة من صالات المؤسسة الاستهلاكية منذ سنوات بالرغم من استمرار إعلان مسؤولي الصالات عن توفرها الدائم، وتحكم الباعة بسعرها وفقاً لمزاجهم، إذ يصل السعر في الأرياف إلى 800 ليرة سورية في الوقت الذي تباع فيه بأسواق المدن بـ 600 ليرة.

في أواخر العام الماضي 2019 عمم مصرف سوريا المركزي حزمة مواد من بينها المتة يتم دعم تمويل استيرادها بالقطع الأجنبي بأسعاره الرسمية، أي أن الشركة المستوردة تشتري الدولار من المصارف العامة بسعر 434 ليرة للدولار لغاية الاستيراد.

"فداء"، الذي يعيش في اللاذقية، صوّر لـ "اقتصاد" واقع تحول سعر مادة المتة، حيث أشار أن أكثر المواد في الأسواق باستثناء المتة ارتفع سعرها بنفس نسبة ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي.. أي حين كان سعر الدولار بنحو 50 ليرة كان ثمن عبوة المتة 25 ليرة بما يعادل نصف دولار، وغالباً ما كان يتم طرح عروض بحيث يعود سعرها إلى 20 ليرة فقط، لكن الآن سعرها بنحو دولار تقريباً، ولا أحد يعلم أسباب زيادة السعر بنحو نصف دولار، ناهيك عن أنّ الشركة المستوردة وبحسب الاجراءات الرسمية تشتري الدولار بسعره الرسمي، بالتالي يجب ألا يتجاوز سعر عبوة المتة 250 ليرة سورية فقط.

أما "وصال" المقيمة في ريف دمشق، تقول إن عدد مدمني مادة المتة في تزايد كونها حتى الآن الأرخص تكلفةً إذا ما تم مقارنتها بالشاي والقهوة والميلو والحليب والنسكافيه والكابتشينو، إذ لا تستهلك الكثير من السكر.

وترى "وصال" الإجراءات الرسمية الاقتصادية كجرعات "نكد" متتالية تصيب المواطن السوري، وتؤكد زيف الحملة الأخيرة لمؤيدي نظام الأسد تحت عنوان "ليرتنا عزتنا"، كونها دفعت الكثير من أصحاب المحال التجارية الكبيرة والصغيرة إلى تجميد أعمالهم والإغلاق.

وتضيف بتعبيرها "شو بفيدني السعر بـ ليرة إذا مواد مافي، حتى الاستمتاع بكاسة المتة البسيطة حرمونا ياها".

وتتمنى "وصال" أن تتوفر المواد الرئيسية بما فيها المتة وتعود الليرة فعلاً لعزها، لكنها تعتقد أن ذلك بعيد المنال جراء غياب المنظومة الاقتصادية المعنية بهموم الشعب وسيطرة طبقة من رجال الأعمال لا تهتم سوى لمصالحها الخاصة.

في لفتة غير مسبوقة دعا حاكم مصرف سوريا المركزي السابق "دريد درغام" إلى ترشيد استهلاك المتة والبحث عن خلطات عشبية محلية يمكن تصنيعها وتصديرها، أيده بذلك خبير اقتصادي في نظام الأسد معللاً أن استيراد المتة يستنزف الاقتصاد الوطني.

ويبلغ حجم استيراد مادة المتة نحو 20 ألف طن سنوياً بمعدل استهلاك وسطي للفرد الواحد 2 كيلو غرام كل عام، وتعد في المرتبة الثانية من مستوردات المشروبات الساخنة بعد الشاي.

يُذكر أن شركة كبور التجارية هي الجهة الوحيدة المخولة باستيراد مادة المتة من الأرجنتين إلى سوريا، الأمر الذي يمنع المنافسة التي تصب في صالح المستهلك.

ترك تعليق

التعليق