خبير اقتصادي: قرار إيداع ثمن العقارات في البنوك هو جزء من حرب بين أجنحة النظام


أصدر مجلس وزراء النظام في سوريا قراراً بعدم إجراء أي معاملة بيع، لأي عقار، إلا عن طريق إيداع الثمن في البنك، في حساب المشتري. وهو–بحسب محللين اقتصاديين-، قرار يخالف الدستور السوري الذي ينص على حرية التملك والتصرف.

 ونص القرار الذي حمل الرقم 5 م/ على إلزام الجهات العامة المخولة قانوناً بمسك سجلات ملكية العقارات والمركبات بأنواعها والكتاب بالعدل بعدم توثيق عقود البيع أو الوكالات المتضمنة بيعاً منجزاً وغير قابل للعزل قبل إرفاق ما يُشعر بتسديد الثمن أو جزء منه في الحساب المصرفي للمالك أو خلفه العام أو الخاص أو من ينوب عنه قانونا.. وتقبل وثيقة الاشعار المصرفي سواء كانت صادرة عن مصرف عام أم مصرف خاص مرخص أصولاً.

ويعيد هذا القرار الذي سيُعمل به بدءاً من منتصف شباط القادم إلى الأذهان ما دعا إليه وزير مالية النظام "مأمون حمدان" منذ أشهر، من فرض لضريبة العقار ضمن ما عُرف بـ"قانون البيوع العقارية" الذي ينص على أن استيفاء الضريبة على العقارات يكون باعتماد قيمتها الرائجة بدلاً من القيمة المعتمدة في السجلات المالية والتي تعود إلى سنوات سابقة ولا تتناسب –بحسب حمدان- مع الأسعار الراهنة.


ورأى الباحث الإقتصادي ومدير الدراسات في المركز الوطني للدراسات الاقتصادية والمالية، يونس الكريم، في حديث لـ "اقتصاد"، أن الهدف المباشر من هذا القرار المجحف هو التقييد الكمي للنقد السوري الذي يستخدم للمضاربة على اعتبار أن العقار يتم تحويل ثمنه للدولار. وهو إجراء يُعبّر عن الجهل بالسياسات النقدية وسلخها عن البيئة المحيطة.


ولفت محدثنا إلى أن هذا القرار الصادر عن السلطة التنفيذية بصيغة تشريعية مخالف لنص الدستور الذي يحمي الملكيات الخاصة ويمنع تقييد آلية استلام المبالغ كونها تخضع للملكية الخاصة، مشيراً إلى أن هذا القانون يعتبر جزءاً من القانون الذي أعده "مأمون حمدان" عام 2016 وتأخر نقاشه إلى العام 2017 وينص على أن تُفرض ضريبة على القيمة الرائجة للعقار وحصر ما يقبضه المشتري من البائع.

 وأوضح "الكريّم" أن القرار يهدف من حيث السياسات النقدية إلى سحب كمية الأموال التي كانت تستخدم في بيع وشراء العقارات وشراء الدولار، ومنع إرسالها إلى الخارج أو المضاربة بها لتحقيق أرباح، وبخاصة أن سوق العقارات "جامد الآن" بسبب العقوبات الأمريكية وقانون سيزر وعدم تمكن مستثمرين أجانب من دخول الساحة السورية لإعادة الإعمار وعدم وجود أنشطة اقتصادية بسبب تلك العقوبات، ناهيك عن الأزمة اللبنانية التي أثرت إلى حد بعيد على الاستيراد والتصدير، ودفعت الناس إلى المضاربة بالعقارات وتحويل الأموال إلى الدولار الذي تجاوزت أرباحه 100%.

ونوّه الباحث بأن البنك السوري المركزي أراد سحب هذه الكتلة النقدية وتجميدها في المصارف ومن ثم امتصاص هذا الارتفاع "الوهمي" في سعر الصرف، حيث أن سعر الدولار هو 920 ليرة، بناء على ما هو متوفر من حجم للسلع والخدمات، -بعبارة أدق- ما فوق قيمة الصرف هذه، هو نوع من المضاربة، حسب وصف "يونس الكريم".

 واستدرك الباحث بأن العملية التجارية لم تعد متوفرة ووضع سيولة مالية كبيرة تأخذ فوائد في بنوك لا تعمل، يقود أيضاً إلى نوع من التضخم، ولذلك أراد البنك المركزي سحب هذه الكتلة وتجميدها وإرباك المصارف وامتصاص هذا الارتفاع "الوهمي" في الصرف.

وكشف محدثنا أنه في منطقة "كفرسوسة"، وهي أحد أحياء دمشق الهامة مثلاً، تجاوز ثمن المحضر الـ 100 مليون دولار، وهو رقم ضخم جداً على سعر الصرف السائد. وفي المناطق المجاورة يتم تحديد السعر عن طريق صفحات الانترنت.

وعقّب "الكريم" بأن وضع هذه الأموال في المصارف يعتبر إرباكاً لها لأنها ستضطر إلى دفع فوائد على أموال غير قادرة على استخدامها وإعادة تدويرها، أو منح قروض، علاوة على دفع هذه المصارف أموالاً ضخمة لحمايتها، ولذلك بات الأمر صعباً جداً وهذا يدل على أن من أصدر قانون إيداع أموال العقارات في بنوك النظام يتميز بـ" البهم" النقدي -صغار الخراف التي لا تعي -حسب تعبير "الكريم".

ونوّه الكريم إلى أن إصدار المرسومين 3 و4 المتعلقين بتجريم التعامل بالدولار، أوقف نشاط معظم التجار المحسوبين على أجنحة أخرى للنظام الموالية لإيران ولروسيا، وجناح الحرس القديم، و"رامي مخلوف"، وجناح "أسماء الأسد"، مضيفاً أن مناوشات كبيرة حصلت في الفترة الماضية ومنها الحجز الاحتياطي على أموال "طريف الأخرس" عم "أسماء الأسد" و"رامي مخلوف" وتجار محسوبين على هذا التيار أو ذاك.

 وأعرب الكريّم عن اعتقاده بأن القانونين 3 و4 أضرا بالحرس القديم ومعظمهم لديه أعمال تجارية وصناعية وورش ومعامل في السوق، ويتعاملون بالدولار وسوق الصرف لتأمين القطع الأجنبي لتوفير المواد الأولية، وخاصة بعد الاضطرابات التي شهدها لبنان في الآونة الأخيرة. ومع إغلاق 14 شركة مصرفية تم تضييق الخناق كثيراً على الاقتصاديين من الحرس القديم المناوئ لـ "أسماء الأسد"، فتم إصدار هذا القرار الجديد الذي لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع لكنه يُحدث بلبلة في سوق العقارات، وخاصة أن أسماء الأسد تطمح –كما يقول- إلى تحويل دمشق إلى ملاذ ضريبي آمن يعتمد على بنية مصرفية متقدمة، وهذا القانون يضرب هذه البنية.

وعبّر الكريّم عن اعتقاده بأن تنفيذ هذا القرار من شأنه عرقلة الحياة الاقتصادية لأنه يعني سحب كمية ضخمة من النقد في ظل عدم وجود أموال كافية في السوق للحركة الاقتصادية أصلاً، وشراء هذا العقار أو ذاك مع ارتفاعها يقود إلى اختفاء هذه الأموال من السوق ونقص سيولتها مما يقود إلى عرقلة الحياة الاقتصادية والدورة الانتاجية وهيمنة الركود والتضخم على حدِ سواء، وبالتالي انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع سعر صرف الدولار، كما يحصل اليوم (الأربعاء).

وختم الخبير الاقتصادي أن القرار بإلزام بائعي العقارات بإيداع ثمنها في البنوك غير قابل للتطبيق وهو جزء من حرب بين أجنحة النظام ستدفع ثمنها الحكومة التي يراد لها أن تكون كبش فداء لهذه الأجنحة.



ترك تعليق

التعليق