في إدلب: المعاناة تتفاقم، ونازحون يؤون نازحين


مع لفحات البرد القارص وهبات الرياح القوية، يحاول "رامي" جاهداً أن يثبت وتد الخيمة الجديدة التي يعدها لاستقبال صديقه وعائلته، الذين نزحوا مؤخراً من بلدة النيرب بريف إدلب.

يقيم "رامي" في إحدى مخيمات قرية صلوة قرب الحدود التركية منذ ثمانية أشهر تقريباً بعد أن نزح من قريته بريف خان شيخون.

 "عند نزوحي من القرية استقبلني صديقي في بيته قبل أن أنتقل لهذا المخيم. وعلي أن أرد الجميل بما أستطيع"، قال "رامي".

باتت مناطق ريف إدلب الشمالي تغص بمئات النازحين الذين فروا من وطأة القصف المكثف التي تشهدها قرى وبلدات المحافظة في ظل تقدم قوات النظام مدعومة بغطاء جوي روسي مكثف، وبحسب إحصائيات حقوقية فقد بلغ عدد النازحين خلال الشهرين الماضيين قرابة ٧٠٠ ألف نازح.

وتكررت أزمات النزوح في مناطق الشمال المحرر، لكن هذه الموجة تعد الأضخم حيث نزحت أرياف بأكملها ومساحات كبيرة دفعةً واحدةً، كمدن سراقب والمعرة وريفها وبلدات شرقي مدينة إدلب، ولا يزال النزوح مستمراً من مناطق جديدة كريف حلب الغربي والجنوبي.


أين يقيم النازحون؟

"مضى على خروجي من بلدتي ما يزيد عن ١٠ أيام وإلى الآن لم أجد بيتاً للإيجار"، يقول "محمد" من بلدة سرمين، شرقي محافظة إدلب.

تعتبر رحلة البحث عن منزل للإيجار في الشمال السوري من الرحلات شبه المستحيلة بعد موجات النزوح الكثيرة التي تشهدها المنطقة.

"محمد" أوضح أن رحلة بحثه بدأت من مدينة إدلب حتى ريف حلب الشمالي.

 "كنت مستعداً لأن أدفع ٢٠٠ دولار إيجار البيت. ولكن دون جدوى"، قال"محمد" الذي مايزال يقيم عند أحد أقاربه برفقة ثلاث عوائل أخرى.

بدوره أوضح رئيس مجلس سرمين المحلي، "علي الطقش"، أن المجلس بدأ بإحصاء وتسجيل عناوين نازحي البلدة في مناطق مختلفة سعياً منه لمحاولة إيصال معاناتهم للمنظمات الإغاثية لمساعدتهم.

 "يعيش الأهالي ظروفاً صعبة، فقد نزحوا بين ليلة وضحاها ولم يستطع الكثيرون أن يحملوا معهم أي متاع"، يقول "الطقش".

موضحاً أن إدارة المجلس وسعت نطاق عملها بتأسيس فريق إغاثي يضم جميع الفعاليات ضمن البلدة، ولكن الإمكانيات لا تزال ضعيفة مقارنة بعدد العوائل النازحة.

وأحصى المجلس في المرحلة الأولى ١٥٠ عائلة تقيم في مدينة إدلب و ٢٢٥ عائلة بمعرة مصرين، و٩٧ عائلة في ارمناز، و٣٥ عائلة بكفر تخاريم، وعشرات العوائل في مناطق كفر يحمول، وباتبو، وقرى أخرى.

وأشار "الطقش" أنه لم يتم إنشاء مخيم خاص بأهل سرمين وأن عشرات العوائل استقروا بخيم قرب مدينة معرة مصرين مع أهالي مناطق أخرى ويحتاجون لمساعدات طارئة لا سيما التدفئة.


مخيمات عشوائية

بالقرب من مدينة إدلب ضمن منطقة "عرب سعيد" يتجمع العشرات من أهالي مدينة سراقب في مخيم تم إنشاؤه حديثاً في ظل ظروف مناخية صعبة.

ويقول الناشط "محمد العيسى"، إن الأهالي هم من قاموا بتجهيز المخيم في ظل غياب لدور المنظمات الإنسانية.

ونوّه إلى أن قسماً كبيراً من أهالي المدينة لا يزالون يقيمون في مساكن مؤقتة "في مساجد ومدارس" ضمن مبادرات أهلية أطلقها ناشطون في مدينة إدلب وتقتصر خدماتها على وجبة طعام وأكياس من مادة البيرين للتدفئة.

وأوضح "العيسى" أن معظم سكان المدينة والذين يقدر عددهم بـ ٤٠ ألف نسمة يقيمون عند بيوت أقربائهم، كما استطاع بعضهم الحصول على منازل قرب المناطق الحدودية بإيجارات تصل لـ ٧٥ دولار أمريكي وسطياً.


دور المنظمات

تسعى المنظمات الإغاثية العاملة في الشمال السوري لتدارك حجم المأساة والمساهمة في إيواء العوائل ضمن خطط آنية وحلول مؤقتة كإقامة المساكن الجماعية ضمن المساجد أو المدارس وأحياناً بإنشاء خيم كبيرة مخصصة للنساء والأطفال وأخرى للرجال.

"عبد الرازق" متطوع بمنظمة "بنفسج"، قال لـ "اقتصاد" إن عمل المنظمة في الوقت الحالي هو مساعدة النازحين للخروج من أماكن القصف واستيعابهم في مساكن مؤقتة في مناطق أكثر أمناً، حيث أُنشئ فيها مراكز للإيواء كـ سرمدا والدانا ومناطق ريف حلب الشمالي كـ اعزاز والباب.

موضحاً أن المنظمة تقدم بعض المساعدات العاجلة للنازحين كالبطانيات والأغطية ووجبات طعام في ظل عجزها عن تأمين العائلات في مساكن دائمة في الوقت الحالي.

ويشتكي ناشطون من حالة التقصير التي يتعاطى معها المجتمع الدولي في ظل استمرار الأزمة، كما يتهمون المنظمات الإغاثية بالتقصير في وضع الخطط المسبقة للحد من حجم المعاناة، "ونتيجة للفشل الإداري" كما يرى الإعلامي "أسامة الشامي" فإن عمل المنظمات ينحصر أحياناً في مناطق معينة دون أخرى ما سبب في حرمان عشرات العوائل من وصول المساعدات الإنسانية إليهم، على حد وصفه.

المعاناة مستمرة

تتفاقم مشكلة النازحين في ظل تزايد أعدادهم، ووثق فريق منسقو الاستجابة نزوح أكثر من ٦٣٤١ عائلة خلال ٤٨ ساعة الماضية، وقد بلغ عدد المخيمات التي تم إنشاؤها خلال الشهرين الماضيين ١٢٥٩ مخيماً بينها ٣٤٨ مخيماً عشوائياً، وفق "منسقو الاستجابة".

كما اضطرت عشرات العوائل للسكن في بيوت غير مجهزة يغطي سقفها أحياناً قطع من النايلون والبطانيات التي لا تقي برودة الطقس ما أدى لحالات مرضية عديدة، نتيجة البرد وقلة التدفئة.

ترك تعليق

التعليق