اقتصاديات.. بطاقة إذلال السوريين بذكاء


تناقض كبير بين ما يقوله مسؤولو النظام عن القيمة العليا التي وفرتها البطاقة الذكية في تأمين حاجات السوريين، وبين ما يقوله حاملو هذه البطاقة، من أنها أصبحت أداة ذكية لإذلالهم، على أبواب المؤسسات الاستهلاكية، وفي الكازيات، ولدى موزعي الغاز.. وهم يعبرون عن خشيتهم من أن تتوسع الحكومة في استخدامات هذه البطاقة، حتى تصل إلى غرف نومهم.

بالأمس، كان رئيس الوزراء عماد خميس صريحاً، خلال حديثه أمام مؤتمر العمال الـ 27، والذي أشار فيه بوضوح إلى أن الحكومة تعاني منذ نهاية العام 2018، من تأمين حاجات السوريين من المواد الغذائية والمشتقات النفطية المستوردة، وأن هذه المواد باتت تكلفها ضعف قيمتها الحقيقية، بسبب اشتداد العقوبات والحصار.. لكنه لم يذكر أن اشتداد العقوبات لم يكن على النظام السوري، وإنما على إيران، التي تم منعها من تصدير نفطها، في إطار تصاعد الخلاف بينها وبين أمريكا.

وتحدث خميس في ذات اللقاء، عن البطاقة الذكية، التي وصفها بالحل السحري، الذي كان لا بد من استخدامه، إذا ما أرادت الحكومة الاستمرار في توفير المواد الأساسية للسوريين، بسعر مدعوم..  وقدم أرقاماً عن الوفورات التي حققتها البطاقة بالنسبة للمستهلكين حتى الآن، مشيراً إلى أنها أقل من 40 مليار ليرة سورية منذ بداية تطبيقها في العام الماضي، أي نحو 40 مليون دولار.. وهي عبارة عن الفارق بين سعر المواد بالسعر المدعوم، وسعرها في السوق.. فهل يستحق هذا المبلغ، إذلال 700 ألف عائلة سورية، وهم العدد الذين يحملون البطاقة الذكية، بحسب ما ذكر خميس..؟!

بحسبة أكثر دقة، يبلغ الوفر على الأسرة السورية من استخدام البطاقة الذكية بالنسبة للسكر والرز والشاي والغاز، مجتمعين، نحو 2000 ليرة شهرياً، أي أقل من دولارين.. وهو مبلغ بحسب مراقبين، لا يقف حائلاً دون استمرار معيشة الأسرة السورية، وليس هو من يتسبب بفقرها.. وقد كتب بعض المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي، من أن تجربة الشهر الحالي الأولى، باستلام المستحقات التموينية على البطاقة الذكية، وما تعرضت له النساء من إذلال على أبواب المؤسسات الاستهلاكية، سوف يدفع الكثير من الأسر في الشهر القادم إلى عدم استجرار مستحقاتها.. حيث كتب أحدهم "فليذهب الفارق في سعر كيلو السكر، والبالغ 100 ليرة عن السوق السوداء، إلى الجحيم".. في إشارة إلى أن المرء يهدر من كرامته ما يعادل أضعاف هذا المبلغ بكثير..

باختصار، تتقصد حكومة النظام، إذلال من تبقى من السوريين في الداخل، من أجل يشعروا بالفارق، بين ما كانوا عليه قبل الثورة وبعدها، ودفعهم لأن يلعنوا الساعة التي فكر فيها أشقائهم في الوطن، بالوقوف في وجه النظام..

فسحقاً لحكومة تذل أكثر من 15 مليون سوري من أجل أن توفر عليهم سنوياً، 40 مليون دولار فقط.. فلو قسمنا هذا المبلغ على عدد الأسر الحاملة للبطاقة الذكية، وهو 700 ألف أسرة، لبلغت حصة الأسرة 57 دولاراً سنوياً فقط.. فلماذا لا تتحول البطاقة الذكية إلى بطاقة بنكية، ويتم إضافة هذا المبلغ على حسابها، وتوفر الحكومة على الناس، مشقة الذهاب والإياب، وتوفر على عماد خميس كل هذا "العلاك المصدي"..؟!

ترك تعليق

التعليق