لا بواكي للسوريين في سوق العمل الأوروبي


تجاوز السوريّ معوقات الاندماج في المجتمعات التي وصل إليها، لكن قدره السابق يلاحقه حتى بفرصة عمل تقيه شر السؤال الدائم عن عمله. وبغياب مؤسسات المال العربي كحاضنة لجموع الواصلين ومؤهلاتهم العالية، فإن خياراتهم انحصرت بين طريق الدراسة وتعديل شهاداتهم وما يرافقه من وقت طويل، وبين سوق العمل "الأسود" وما يجره من مخالفات ضاق بها طالب العمل, لتبرز إشكالية جديدة كشفت عنها دراسات بحثية وتحقيقات صحفية، تتناول عمق المؤسسات الغربية، وسياستها تجاه المهاجرين من أبناء الجيل الثاني، فكيف سيكون الحال مع السوري؟!

تخلص التحقيقات المنشورة في الصحافة الفرنسية، أن سبع شركات متعددة الجنسيات متهمة بالعنصرية والتمييز خلال عمليات التوظيف وتشمل هذه الشركات الناقل الوطني الفرنسي "أير فرانس"، وعملاق الفنادق "أكور"، وشركة تصنيع السيارات "رينو"، ومؤسسة الاستشارات الهندسية والابتكار "ألتران"، وشركة "ريكسل" لتوزيع اللوازم الكهربائية، وشركة "أركيما" للصناعات الكيميائية و"سوبرا ستيريا" لتكنولوجيا المعلومات.

وتخلص الدراسة إلى أن المرشحين الذين يحملون أسماءً تبدو عربية تلقوا ردوداً على طلبات العمل أقل بنسبة 25٪ من الردود التي تلقاها منافسوهم الذين يحملون أسماء فرنسية.

صعوبة العمل وغياب الحاضنة

لا عمل في الأفق القريب، وعلى المهاجر خصوصاً السوريّ، التفكير بالبدء من نقطة الصفر، فلا مكان لصحفي في مؤسسات فرنسية ولا مهندس عمارة في المكاتب والشركات، ولا محام أمضى سنوات عمره في الدعاوي القانونية. "إنها معقدة جداً، تشعر بالقهر كل يوم، ماذا يتوجب علينا العمل"، يقول محمد سالم، محامٍ سوري.

مضيفاً: "استكملت كل المطلوب خلال سنوات وصولي لفرنسا، أنجزت تعديل شهادتي السورية، والتحقت بصفوف الجامعة وقطعت شوطاً مهماً في اللغة الفرنسية، لكن كل ذلك لم يهيئ لي فرصة عمل، حتى المؤسسات العربية هنا تبحث عن محامي فرنسي، إنها أشبه بـ (البريستيج) عليك البدء بمشروع تاجر (بسطة) أو سائق (كميون)، طالما استمر غياب المؤسسات العربية في استقطاب السوريين وحتى العرب".

وتقدّر تقارير وأبحاث اقتصادية حجم الاستثمارات العربية في الخارج ما بين 800 و2400 مليار دولار، بحسب مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، الأمر الذي يثير أكثر من علامة استفهام حول عجزها عن استقطاب الشباب العربي واحتضانه بمبادرات تساهم بإدخاله في سوق العمل بدل تركه" نهباً" لعوامل دينية ومجتمعية قاسية عليه.

وتتركز معظم الاستثمارات العربية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ففي أوروبا تحتل سويسرا وبريطانيا وفرنسا المركز الأول بين الدول الغربية الجاذبة لهذه الاستثمارات، ثم تأتي الولايات المتحدة الأميركية بعد ذلك. وبحسب تقرير اقتصادي صادر عن مركز دراسات الخليج عام 2001، قدّرت الأموال المهاجرة من دول الخليج وحدها إلى دول الاتحاد الأوروبي فقط بـ 365 مليار دولار و365 مليار دولار أخرى في بقية دول وتجمعات العالم الاقتصادية الأخرى.

ثمة حد أدنى للأجور في فرنسا، لا يمكن السماح بأقل منه، وهو 7،80 يورو في الساعة، وذلك في مختلف الأعمال التي من الممكن أن يزاولها اللاجئ، وبالمقابل يدفع رب العمل ذات المبلغ كضرائب للدولة، وما إن يجد اللاجئ عملاً حتى يتم إيقاف المساعدة المالية عنه، لذلك يلجأ الكثيرون إلى المراوغة والاحتيال في ساعات العمل، في محاولة أساسها يقوم على نوعية العمل غير المقنع.

يعلّق سمير: "لا. لا نريد أن نعمل مدراء شركات، هذا ليس صحيحاً، إنها (بروبغندا) سيئة. فهل ضاق سوق العمل عن قبولنا سوى بخيارات مدراء أو أعمال مهنية! ليتنا نستطيع، نرغب بالعمل، لكن في حدود إمكانياتنا وقدراتنا الجسمية أيضاً".

جمعيات جنينية

لم تكن مشكلة المهاجر السوري هي الوحيدة في سوق العمل، ولكنها طرحت خيارات جادة مقارنة مع الجاليات المهاجرة في أوروبا منذ عقود، إذ أن حداثة الهجرة السورية واستمرار ظروف المأساة السورية عجّل بأولويات خلق مؤسسات أو جمعيات تعنى بالحالة الإنسانية، سواء لمن هم في سوريا، أم لمن وصلوا حديثاً الى أوروبا. فشهدت السنوات السابقة عدداً من الجمعيات والمؤسسات، التي تعطي الأولوية لمساعدة اللاجئ بالأوراق المطلوبة، والمساعدة في تشكيل الملفات لتأمين الإقامة والسكن، إضافة لجمعيات برزت في أدوار تقديم أشكال المساعدة للمناطق المنكوبة في سوريا.

محمد الحمادي، صحفي مقيم في فرنسا، يعتبر أن الحالة السورية وقسوتها لازمت السوريين في المهجر على عكس بقية المكونات الأخرى التي دأبت على خلق روابط وجمعيات تشجع وتساهم في خلق فرص عمل كما هو حال الجالية التركية في كل من فرنسا وألمانيا والتي يلحظ الزائر أن غالبية عمالتها من ذات الجالية, "أعتقد أننا علينا انتظار وقت طويل ليتسنى للسوريين بناء مؤسسات مشابهة".

بعض المؤسسات والجمعيات الناشئة أخذت طريقها، ولكن مؤشرات حراكها وتواجدها بقيت في أضيق الحدود، فالكثير من السوريين اتجهوا لتأطير وجودهم بجمعيات نقابية ومهنية مستفيدة من بعض الإعفاءات في القوانين الفرنسية. لكن هذه الجمعيات باتت شكلاً موجودة، ومضموناً تغص بالعاطلين عن العمل.


ترك تعليق

التعليق