كيف فاقم النظام أزمة الخبز في الغوطة الشرقية؟


تفاقمت أزمة الخبز بشكلٍ كبير خلال الأيام القليلة الماضية في منطقة "الغوطة الشرقية" بريف دمشق، حيث يضطر المئات من أبناء المنطقة إلى الوقوف لعدّة ساعات أمام الأفران العامة في سبيل الحصول على ربطة خبز واحدة بالكاد تغطي احتياجاتهم اليومية.

وحول هذا الموضوع، أشار "براء، م" وهو أحد أبناء مدينة "دوما"، فضل عدم ذكر اسمه كاملاً لأسباب أمنية، في تصريح خاص لـ"اقتصاد"، أنّ أهالي "دوما" يعانون منذ ما يزيد عن أسبوع من أزمة حادة في الحصول على الخبز، حالهم في ذلك حال بقيّة مدن وبلدات "الغوطة الشرقية". وأرجع السبب وراء ذلك إلى القرارات الأخيرة التي اتخذتها حكومة النظام بحق أبناء المنطقة، ومن أبرزها: تخفيض المخصصات اليومية من مادة الطحين، وإغلاق بعض الأفران بحجّة المخالفات التموينية دون توفير أي بدائلٍ عنها.

وأضاف: "قامت حكومة النظام كذلك بتحويل كمياتٍ كبيرة من الطحين المخصص لأفران (الغوطة الشرقية)، إلى مناطق أخرى –لم تشهد حراكاً مناهضاً للنظام-تعاني من نقصٍ أكبر في نفس المادة، كما تعمدت تأخير توقيت إنتاج الخبز حتى السابعة صباحاً، الأمر الذي يجبر الأهالي على الانتظار لمدّة تصل إلى ما لا يقل عن ثلاث ساعات يومياً، أمام نوافذ الأفران للحصول على ربطة خبز بسعرها المدعوم 50 ليرة سورية".

وأوضح "براء، م"، قائلاً: "نتيجةً لقلة الإنتاج فإنّ معظم العائلات لا تحصل على ما يكفيها من الخبز؛ لذلك فهي تضطر إلى شراء ربطة الخبز من الأكشاك أو البائعين الذين يتعاملون مع أصحاب الأفران، حيث يبلغ سعر الربطة الواحدة 250 ليرة، تحوي 7 أرغفة لا تكفي لثلاثة أشخاص يومياً".

"حرستا" ليست أفضل حالاً

ولا يبدو الوضع في مدينة "حرستا" المجاورة، أفضل حالاً مما هو عليه في "دوما"، إذ تعيش المدينة أزمات عديدة؛ منها أزمة الخبز التي لم تستطع حكومة النظام إيجاد حلول لها حتى اللحظة؛ ففرن "كبتولة" وهو الفرن الوحيد العامل في "حرستا"، وتعود ملكيته لأحد أعضاء شعبة "حزب البعث" في المدينة، يشهد ازدحاماً شديداً بسبب وقوف المدنيين في طوابير طويلة للحصول على احتياجاتهم من الخبز.

وتقدّر حاجة الأهالي في "حرستا" بحوالي 12000 ربطة خبز، في حين لا يتوفر منها حالياً سوى 2500 ربطة. وذلك بحسب ما أشار إليه "عبد الكريم حمدان" وهو اسمٌ مستعار لأحد أبناء مدينة "حرستا".

وقال "حمدان" في معرض حديثه لـ "اقتصاد" إنّ حكومة النظام خصصت حوالي طن ونصف من الطحين يومياً لـفرن "كبتولة"، وهي كمية غير كافية مقارنةً مع عدد سكانها البالغ 25 ألف نسمة، وهو ما يضطرهم لشراء الخبز "السياحي" بسعر لا يقل عن400 ليرة سورية للربطة الواحدة، وهي مكونة من 9 أرغفة فقط.

وأضاف: "يوجد في (حرستا) فرنين آخرين، فرنٌ يملكه المدعو (دياب عفوف) وهو قائد إحدى مجموعات ميليشيا (درع القلمون) التي تقاتل إلى جانب قوات (النمر)، لكنّه يقوم ببيع مخصصاته بالسوق السوداء للاستفادة من فارق السعر، والآخر فرنٌ آلي حكومي ضخم متوقف عن العمل ويحتاج إلى صيانة وترميم بعدما دمرته طائرات النظام قبل عدّة سنوات".

العودة إلى زمن الحصار

وعلى الرغم من قلة الكميات التي تنتجها الأفران وجودة الخبز السيئة، إلاّ أنّ أهالي "الغوطة الشرقية"، مضطرون إلى الوقوف منذ ساعات الصباح الباكر، وتحمل الازدحام الخانق، للحصول على ربطة الخبز لأنها حاجة ملحّة ولا يمكن لهم الاستغناء عنها أو الاستعاضة عنها بمادةٍ أخرى.

وقال "أبو حمزة" وهو ربُ أسرة مؤلفة من 5 أفراد، من مدينة "حمورية"، إنّ أفران "الغوطة" تشهد ازدحاماتٍ كبيرة، ومخصصاتها من الخبز لا تكفي نصف احتياجات السكان، ما دفع بكثير من العائلات إلى إنتاج الخبز بالطرق التقليدية؛ باستخدام التنور أو الصاج، وهذه الطريقة كانت شائعة بشكلٍ كبير بين أبناء المنطقة في سنوات الحصار.

وأضاف في حديثه لـ"اقتصاد" قائلاً: "تعمد النظام في الأشهر الماضية تخفيض مخصصات (الغوطة الشرقية) من مادة الطحين، كإجراءٍ عقابي ما زال يُمارس على أبناء المناطق التي ثارت ضده، وهذه السياسة لا تنحصر بمادة الخبز فحسب، وإنما يعاني أهالي المنطقة من أزمةٍ خانقة في مادة المازوت، وأخرى في الغاز المنزلي، إضافةً إلى سوء خدمات الكهرباء والصحة والتعليم".

ونوّه "أبو حمزة" إلى أنّ الأزمة على الخبز تفاقمت كثيراً بعد قرار صدر مؤخراً عن "مديرية تموين ريف دمشق" يقضي بإغلاق خمسة أفران في "الغوطة الشرقية"، لوجود مخالفات تموينية، دون توزيع مخصصاتها على بقيّة أفران المنطقة.

وسبق أن أعطت حكومة النظام-كما يقول أبو حمزة-وعوداً لأهالي "الغوطة الشرقية" بأنّها ستعوض النقص الحاصل في مادة الخبز، عبر زيادة عدد الأكشاك المخصصة لبيع ربطات الخبز في كل بلدة، وتزويدها بكمياتٍ من الخبز من خارج المنطقة، وهو ما لم يحصل حتى الآن.

وكانت "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" أصدرت قبل نحو أسبوع، تعميماً منعت بموجبه المخابز التموينية الخاصة والعامة من العمل ليلاً، حيث أجبرتها على بدء الإنتاج والبيع في الساعة السابعة صباحاً، بهدف ما أسمته "منع التلاعب ومحاربة الفساد". لكنّ هذا القرار الذي بدأ تطبيقه في 22 من شهر شباط/ فبراير الجاري، أعطى مفعولاً عكسياً وأدّى لزيادة الأزمة على الأفران.


ترك تعليق

التعليق