شركات ومشاريع فردية لسوريين بأوروبا.. في غياب القروض والدعم


تواصل سالي الشهابي الواصلة إلى فرنسا قبل ثلاثة أعوام، استيقاظها الباكر، السادسة صباحاً، تكون في ورشتها الناشئة حديثاً، قدرها أن تحمل الحرفة الدمشقية، في تطريز الفساتين، وخيوطها، في بلد يعج بسرعة الإنتاج الصناعي، وتغزو البضائع الصينية من ذات الموديلات شوارعه وأذواق مستهلكيه.

برأس مال يعتمد على الإصرار، ورغبة النجاح وقليل من المال المدخر تنجز" سالي مشروعها" وتسجله كشركة فرنسية، بعد مسيرة أوراق ومداولات استغرقت شهوراً، لتزين ورشتها كل صباح بخيط، أو حبكة، أو تصميم، مراهنة أن ثمة من ينتظر الأجود والأكثر تميزاً.

 لا تختلف "سالي" عن شارعها المهاجر، سوى بنوعية المشروع المبتكر، فيما تتشابه كثيراً من المشروعات الناشئة، لسوريين وصولوا قبل سنوات، فانتشرت معهم المزارع الصغيرة في جميع أنحاء بريطانيا خصوصاً بالمدن والبلدات المحدودة الدخل، وهي مساحات مقسمة محددة مماثلة ترعاها البلديات وتؤجرها للسكان، ولا سيما لذوي الدخل المحدود والأسر التي لا تمتلك حدائق خاصة مجاورة لمساكنها.

وبدا أن خبرة التراكم التي عاشها أبناء حوران في أرضهم جنوباً، تقدم لهم فرصة استثمار في مزارع الخضار وبعض المحاصيل الأخرى، سيما بوفرة المياه، والاعتماد على أيديهم العاملة وأسرهم، وتشجيع من البلديات التي تشجع مثل هذه الأعمال.

في مشروعها حول الفساتين وتصميمها تقول سالي: "بالأصل كنت مصممة في دمشق ودرست هذا الاختصاص، لكن هنا احتجت لوقت طويل نسبياً، وما زلت في البدايات، محكومة بعوامل متداخلة بدءاً من المنطقة التي أقطنها، ومستوى الدخل فيها، وصولاً لغياب أي داعم، إعلاني أو ترويجي، وحتى رسمي، لكني أمضي بمشروعي كفرصة عمل ومستقبل آمل أن ينجز، بعد أن تركنا بلدنا وعلينا أن نبدأ من الصفر".


مشاريع فردية بلا داعم
 
لا مؤشرات رقمية في هذا البلد أو ذاك حول عدد المشاريع السورية المنجزة أو قيد الانجاز، فالهوية الجمعية تقوم على أنه مشروع ألماني أو فرنسي ، انتماءاً لأرضه الجديدة، لكن المفارقة أن هذه المشاريع الناشئة يغيب عنها الدعم المالي، وإن وُجدت القروض الميسرة لدعم بعض المشاريع فإنها غالباً لا تتناسب وإقامات السوريين المتبدلة بين سارية وطويلة بانتظار الجنسيات، وهو ما يشكل أحد العوائق المستمرة بوجه أي مشروع طامح للمنافسة والريادة. وبحسب البعض فإن فكرة الاقتراض ممكنة في بعض الأحيان ولكنها بحالة السوريين غير مرغوبة لعوامل الخوف من تداعياتها المستقبلية أمام عدم استقرار المشاريع التي بدأت للتو.

"لم أفكر بطرق هذا الباب صراحة، خوفاً من الغرق في تفاصيل جديدة، واعتمدت بورشتي على شراء الآلات المستعملة والشراء بالتقسيط، وزيادة ساعات العمل لي والمواظبة، وأحياناً مساندة عائلية بحال الضرورة. أعتقد أن القروض ممكنة مستقبلاً بعد تجاوز الفترة التجريبية والتي حددتها بثلاث سنوات"، تقول سالي الشهابي، صاحبة ورشة الفساتين السورية.

وبهدف تجاوز عقدة الدعم المالية الحكومية، لجأ السوريون لتجميع مدخراتهم الشخصية عبر شراكات عائلية أو شخصية ينظمها غالباً من يرونه مناسباً أو الاستعانة بشخص ذوو مؤهلات قانونية.

المحامي محمد أبو سعيفان، يقول لـ "اقتصاد": "عملنا على تجميع مدخرات ما يقارب عشرة سوريين، وأنشأنا شركة مساهمة محدودة المسؤولية واشترطنا عدم الانسحاب إلا بعد مضي الفترة التأسيسية، ليقف المشروع على قدميه، اليوم عندنا فرن متكامل ينتج الخبز والحلويات، تواجهنا كثير من الصعوبات، لكن نعمل على تجاوزها كعائلة واحدة، ليس أمامنا مروحة خيارات، التعاون ومد يد السوري للسوري، هو أساس النجاح في بلدان المهجر".

في ألمانيا حيث النسبة الأكبر للسورين المهجرين، يتوجه عدد كبير منهم إلى الأعمال الحرة، والتجارة وافتتاح مزيد من المطاعم وتجارة الألبسة، ففي شارع العرب كما يسميه مهاجرو برلين العاصمة، ثمة عشرات المطاعم والمحال السورية، بدأت تبرز حضورها وتستقطب الزائر العربي أو الألمانيين ليس فيها كثير من الديكورات، والزخارف الفارهة، ولكنها تنافس على جودة المنتج وأحياناً سعره.

يمتلك اليوم "وائل" وإخوته مطعماً كبيراً في مدينة هامبورغ  الألمانية، أسماه "سيريانا". العائلة وصلت إلى ألمانيا قبل سنوات بسبب التهجير الممنهج الذي مارسه نظام الأسد وحلفاءه.

يقول وائل: "ما إن تعلّمت كيف أتدبر أموري في اللغة الألمانية، أبلغت الموظف المسؤول عني في مكتب العمل بنيتي افتتاح مطعم، وإلغاء حصتي من المساعدات الشهرية التي تقدّمها الحكومة، لم أتقدم لقروض من البنوك الألمانيا ولا أعرف أصلاً إن كانت تمنح قروضاً أم لا لكن نجحت مع عائلتي بتأمين احتياجات المشروع وبدأنا، وآمالنا بالنجاح تكبر".

مُراقباً واقع المشاريع حوله، يجيب الصحفي عباس الديري المقيم في مدينة هامبورغ الألمانية: "المشاريع الصغيرة في ألمانيا وتحديداً شمال ألمانيا بمدينة هامبورغ تعتبر خلال السنتين الأخيرتين هي الشغل الشاغل للسوريين اللاجئين، فأكثر من ثلثي السوريين يبحثون عن عمل خاص بهم ولأسباب كثيرة ، يعود السبب الأول هو عدم استطاعتهم العمل بمؤهلاتهم العلمية، فخريج الحقوق هنا في ألمانيا لا يستطيع أن يكون محامياً ولا حتى المدرس يستطيع أن يكون مدرساً في المدارس الألمانية".

مضيفاً: "أعتقد وجهتهم غالباً سوق العمل ونظراً لصعوبته أيضاً، فالوجهة الأفضل هي المشاريع الصغيرة، وعلينا أن نتذكر دوماً أن السوري بناء ومنتج، وقادر على التكيف والاندماج، إضافة إلى المردود الجيد الذي سيحصل عليه الشخص في حال عمل بشكل خاص".

وحول أوجه الدعم التي تقدمها الحكومة الألمانية، يشير الديري: "الدولة تقدم المساعدات للمشاريع الصغيرة، وتدعم كل من يرغب بالعمل لكن هذا الدعم بالتأكيد لا يغطي جميع التكاليف، لذلك يلجأ السوري لبيع ما تركه في سوريا، وأحياناً عبر شراكات عائلية، أو أصدقاء".

ويلفت " الديري" لمعوقات الاقتراض وغياب السوري عن ولوج هذا الباب: "الاقتراض ضمن الشروط، وأحياناً صعبة، ويقع الشخص في حبائل الروتين والبيروقراطية، أي معاملة عند الدولة تحتاج شهوراً واحتمالات الرفض واردة دوماً، وهو ما سبب عزوف السوري عنها".

ترك تعليق

التعليق